نفس عظيمة الطمأنينة

TT

عمل سلطان بن عبد العزيز إلى جانب ستة ملوك، أولهم المؤسس الكبير. ومن الصعب أن نحصي أو أن نحصر ماذا عمل وماذا أنجز. فهو يدخل التاريخ من أبواب كثيرة، لكن لعل أهمها كان أنه أدار إنشاء القوات المسلحة، من فرق هجانة بسيطة إلى أحد أقوى وأحدث الجيوش في العالم الناشئ.

لم يناسب لقب «وزير الدفاع» أحدا كما انطبق عليه: لم تعبر القوات السعودية الحدود إلى أي مكان، إلا في الدفاع عن نفسها وعن جيرانها. عندما هددت الكويت بالغزو العراقي المرة الأولى في الستينات، انتقلت القوات السعودية إلى هناك دون شرط. وعندما احتل العراق الكويت فعليا في المرة الثانية، تصدت السعودية للجيش العراقي في البداية، ثم أنشأت تحالفا عسكريا من 33 دولة حول العالم، من أجل استعادة الكويت وتحريرها.

كان الأمير سلطان رجل قيادة ورجل دولة ورجل حكمة عميقة. لكن أولا كان رجل مودة لا تفارقه ابتسامة عفوية مولودة ميزت حضوره في الداخل والخارج. فإذا حدث وشوهد غير مبتسم، فإن ذلك كان لشرح الرسالة وتبليغها. ولم تكن مهامه في القيادة السعودية تقتصر على مسؤوليته في الدفاع، بل طالما تعدتها إلى الأدوار السياسية العليا. وكانت الدول الأجنبية والعربية على السواء تحرص على تخطي أحكام البروتوكول في استقباله والاحتفاء به.

الذين عرفوه عرفوا فيه قدرة استثنائية على الجمع بين الحزم والود. ففي الحروب الجانبية أو المباشرة التي جرّت إليها المملكة كان القائد العسكري فيها متأهبا دائما ليعرف إلى ماذا توصل عقله السياسي ورؤيته المتبصرة.

بهذا الخليط من الرحابة والشجاعة نجح الأمير سلطان بن عبد العزيز في الحفاظ على السلامة والكرامة معا. هو من أدار مجيء القوات المتعددة لتحرير الكويت، وهو من أشرف على قضية خروج كل وجود عسكري غربي من البلاد عشية ضرب العراق عام 2003. وهو الذي أدار المواجهة مع الموجات الآتية من اليمن، بمنتهى اللين إذا لانت وبالشدة إذا اشتدت وتعدت.

يوميا كان يتابع أحوال العالم وأخباره. وكان يحرص على لقاء المفكرين والمثقفين وذوي المعرفة ويتفقد شؤونهم. بل كان يتفقد شؤون جميع الناس، أبوابه مفتوحة لهم. وقد قال لكاتب هذه السطور مرة: المسؤولية لا تعلَّم، بل تدرك ويعمل بقواعدها. وهذه القواعد بسيطة إن نويت، وصعبة إذا لم تفعل: افتح للناس قلبك وعقلك ودارك.

كان باب داره عاليا، الراحل الكبير، وكان قلبه عظيم المودة والشجاعة، وكان عقله سعة الحكمة وسعة المعرفة وسعة الصدر. ونفسه عظيمة الطمأنينة.