المعقول في العبث

TT

غداة الإعلان عن مؤامرة إيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، سألني زميل عربي، في استنكار: «هل يعقل أن تقوم إيران بمثل هذا العمل؟»، قلت له: دعنا نطرح الاستغراب في صيغة أخرى: «هل سمعت سعود الفيصل خلال ثلاثين عاما يطلق تهمة محددة من دون سند؟». عندما كنا نحضر قمة تونس تقرر فجأة أن تؤجل. وعرفنا ونحن هناك أن عشرات العناصر الليبيين قادمون برا لمحاولة اغتيال الملك عبد الله. هل كان ذلك معقولا، بعد الكشف عن المحاولة الأولى وعفو الملك عن المتهمين بها؟ هل كان يعقل أن يأتي الرجل الذي تبنى الأمير محمد بن نايف العفو عنه، لزيارته في مكتبه وهو محشو حقدا ونسفا؟ هل كان يعقل أن يمر مبعوث دولة مثل ليبيا كل عام على دولة مثل البحرين ليطلب منها الدعم المالي؟ هل يعقل أن يحيل رئيس دولة صهريه إلى قانون العشيرة؟ هل يعقل أن تعلن دولة الدولة الجارة مجرد محافظة ثم تدخل لاحتلالها؟ هل يعقل أن تغتال نحو 30 شخصية في لبنان من دون صدور مذكرة توقيف أو حتى من دون تسمية فاعل أو مسؤول؟

هل يعقل أن يكون بعض رجال «القاعدة» في طهران؟ ما هو المعقول في المنطقة بحيث لا يعقل أن تدبر في إيران مؤامرة لاغتيال السفير السعودي في أميركا؟ أين هي السياسات القائمة على المودة والانفراج والتصالح وشراكة المستقبل؟ هل هي في اللهجة السياسية التي تتحدث بها إيران، منذ نهاية المرحلة الهادئة مع محمد خاتمي؟ وهل ننسى كيف أمضى خاتمي ولايته الأخيرة، حتى كاد لا يسمح له بالكلام، وليس فقط بالحكم.

هل هناك شيء خارج مسرح العبث الدموي في المنطقة؟ هل الذي يجري في ليبيا معقولا؟ كان يفترض بالذين أطاحوا أربعين عاما من القذافي أن يقدموا أفضل أمثولة عن البديل الموعود، فإذا هم شتت سياسي وارتكابات إنسانية. الخلاص من النظام الجلاد يجب أن يكون بنظام يحافظ حتى في أقصى حالات الفوضى، على أبسط مبادئ القانون والمشاعر الإنسانية. ليس هذا، للأسف، ما يحدث في ليبيا، حيث لا يزال النظام السابق يحفر الآثار الوحشية في النفوس.

لا يسمح باستخدام تعابير مثل العقل والتعقل والمعقول في هذا الشرق. هل بقاء مصر معلقة في المجهول، أمر معقول؟ هل الاحتفال بمبادلة رقيب إسرائيلي بـ1027 أسيرا فلسطينيا شيء معقول، وفوقه رفع شارات النصر؟ هل خطاب الفتنة الذي صار علكة يومية واجترارا كريها، هو الخطاب المعقول؟ هل هذا البركان الفائر من الحقد والنبذ والكره والخيانة والتخوين، أمر يعقل؟ اكتشفت إيران أن المتهم بالتآمر هو من «مجاهدين خلق». إذن، هناك مؤامرة، وهناك إيرانيون، وهناك مدربون. في هذه المنطقة كل شيء معقول.