الغرب وخطر الفوضى في الشمال الأفريقي

TT

بنهاية نظام القذافي في ليبيا يمكننا الحديث عن سيناريوهين للشمال الأفريقي؛ الأول هو تحول البحر المتوسط إلى بحيرة ديمقراطية، شمال أوروبي ديمقراطي وجنوب عربي في طريقه إلى التحول الديمقراطي، ذلك هو السيناريو المتفائل، وفي هذا السيناريو تتركز الأضواء على الانتخابات في تونس ومصر وبعدها بشهور على ليبيا، كل ذلك من أجل بحيرة ديمقراطية، ومع ذلك يبقى تحدي الديمقراطية في الجزائر والمغرب مصدر قلق حتى تكتمل الصورة على الشاطئ الجنوبي للمتوسط.

أما السيناريو المتشائم، والأقرب إلى الحدوث فهو انهيار الأمن الإقليمي في الشمال الأفريقي نتيجة لثورات غير مكتملة ونتيجة لحركة السلاح والبشر والآيديولوجيات الفاشية عبر الحدود.

ركز الكثيرون على تغيير الأنظمة في الشمال الأفريقي مع بزوغ شمس ثورة تونس منذ عشرة شهور وبعدها مصر وأخيرا ليبيا، دون أي اهتمام يذكر بعلاقة انهيار الأمن داخل الدولة الواحدة وعلاقته بانهيار الأمن الإقليمي برمته.

بقي النظام الليبي حاجزا ما بين الفوضى في مصر وتونس، كما تبقى الجزائر فاصلا بين الفوضى في المغرب وتونس، وكانت ليبيا بؤرة جاذبة للعنف، أما وقد نجحت الثورة الليبية في القضاء على القذافي ونظامه، فلنتحسب لما يمكن تسميته بإشعاع الفوضى القادم من أنقاض دولة فاشلة بامتياز، أفغانستان مضافا إليها الثروة النفطية.

انهيار الأمن الإقليمي في الشمال الأفريقي هو تحد لدول الجنوب والشمال معا، وسيؤثر سلبا على إمكانية حدوث ديمقراطية في كل من مصر وتونس، أيا كانت العملية الداخلية التي تتبعها الدولتان.

الغرق في الوضع الداخلي في كل من مصر وتونس وإغفال بناء تصور جاد للأمن الإقليمي في الشمال الأفريقي يضع مصير هذه الديمقراطيات المأمولة في مهب الريح.

ليبيا الديكتاتورية وكذلك مصر الديكتاتورية وتونس الديكتاتورية كانت أنظمة أمنية بامتياز تسيطر على حركة البشر والأسلحة عبر الحدود وتسيطر على حركة الجماعات الجهادية بأشكالها المختلفة، أما وقد انهارت هذه السيطرة على الحدود فنحن أمام صيغة تشبه حدود العراق مع سوريا، حركات جهادية تعبر الحدود وأموال وأسلحة في الغالب تهدف إلى تقويض الديمقراطيات الناشئة.

بسذاجة يظن البعض أن نهاية حكم بن علي في تونس وحكم القذافي في ليبيا وحكم مبارك في مصر تعني نهاية تلك الأنظمة وانزواء أصحاب المصالح فيها إلى الظل، وهذا ليس صحيحا، فانهيار هذه الأنظمة أضر بمصالح الكثيرين الذين ارتبطوا ارتباطا عضويا بهذه الأنظمة، وعدد هؤلاء ليس بالقليل، ففي مصر وحدها كان الحزب الوطني يدعي أن له ثلاثة ملايين عضو عامل.

ولنقل إن ثلث هؤلاء من أصحاب المصالح المرتبطة ببقاء النظام، أي مليون واحد فقط، ومليون فرد قادرون على خراب بلد بسهولة إذا كانت تلك نيتهم، وواضح من المشهد الذي ينفرط أمامنا أن النية موجودة لديهم.

أما نظام القذافي فيبدو أنه لن يذهب بسهولة رغم موت الديكتاتور وبعض أبنائه، أما في تونس، فنحن أمام نظام ضعيف قد ينهار في أي لحظة.

كان الحديث في السابق عن الأمن في شمال أفريقيا في إطار ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية تؤدي إلى تهديد الإجماع بين الحكومات وشعوبها، وبما أن هذا قد حدث وانهارت تلك الدول فماذا تبقى؟

يبقى التحدي الأولي قائما مضافا إليه مسألة الأمن الإقليمي، فنجاح هذه الثورات في تونس وليبيا ومصر يتطلب إعادة التفاوض بشأن العقود الاجتماعية بين المواطنين والدولة بشكل على الأقل يكون أفضل من الأنظمة السابقة، ولكن لأن توقعات الثورات غالبا ما تكون كبيرة، فإن إمكانية تحقيق كل المطالب وللجميع في وقت واحد هو أمر صعب المنال، ولذلك سنبقى في حالة من عدم الاستقرار لفترة، وأساس عدم الاستقرار هذا هو تلك الفجوة ما بين مطالب الثوار وما تستطيع الدولة الجديدة أن تلبيه من تلك المطالب.

ليعرف الغرب والشرق معا أن المناخ الأمني والبيئة السياسية لدول شمال أفريقيا يتطلب إعادة تقييم للأمن الإقليمي برمته، فلن يكون كافيا أن يتكئ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، على تهديد الإرهاب ووقف التهريب والهجرة غير الشرعية كقضايا أساسية للأمن. إذن لا بد من إجراء تعديلات جوهرية لنظرة الغرب للأمن الإقليمي في الشمال الأفريقي، فرغم وجود فرصة تحويل البحر المتوسط إلى بحيرة ديمقراطية، فإن شبح الفوضى في الشمال الأفريقي قائم، ولا يهدد أوروبا وحدها، بل يهدد الأمن الإقليمي برمته. فهل من منتبه في وقت يترنح فيه الجميع وهم سكارى بنشوة نجاح الثورات في البلدان الثلاث؟