حقيقة الشعب الفلسطيني

TT

بينما كنت أقرأ الصحيفة الفلسطينية التي تدعى «القدس» في يوم الأربعاء الموافق 19 أكتوبر (تشرين الأول)، وجدت قصة شديدة الإثارة. وفي بعض الأوقات تكون القصة أكثر أهمية وفاعلية من التاريخ نفسه. لقد كانت قصة عن الحياة والحب بين سجينين فلسطينيين: نزار وأحلام.

وفي هذه الأيام، تلقي وسائل الإعلام العالمية الكثير من الضوء على وجه جلعاد شاليط، وفيما يصرون على جذب الانتباه إلى السنوات الخمس التي قضاها في السجن في غزة، لم يتمكنوا من ذكر نائل البرغوثي الذي مكث أربعة وثلاثين عاما في أحد السجون الإسرائيلية. علاوة على عوض زياد عوض الذي ألقت القوات الإسرائيلية القبض عليه عندما كان عمره لا يزال ستة عشر عاما (في عام 1993) ومكث في السجن لمدة سبعة عشر عاما. وكذلك هناك جهاد جميل محمود، الذي ألقي القبض عليه عام 1988، عندما كان يبلغ ثمانية عشر ربيعا. وبعد ذلك تم سجنه لمدة اثنين وعشرين عاما. وإذا ما راجعنا قائمة السجناء الفلسطينيين لوجدنا العديد من الأمثلة المماثلة لشباب قامت القوات الإسرائيلية بإلقاء القبض عليهم وقضوا سنوات عدة في السجون الإسرائيلية. لكن لسوء الحظ، نسيهم العالم! إلا أنني أود أن أسلط الضوء على سجينين فلسطينيين تم إطلاق سراحهما مؤخرا. وهذه هي رواية جريدة «القدس» حول هذه الواقعة:

«تستعد عائلة التميمي في قرية النبي صالح بالضفة الغربية لاستقبال ابنها نزار الذي كان محكوما بالسجن مدى الحياة لدى إسرائيل، وهو من حركة فتح، فيما أوفدت قسما آخر منها إلى الأردن لاستقبال خطيبته أحلام التميمي التي كانت محكومة بالسجن 16 مؤبدا وتنتمي إلى حماس».

ونزار (38 عاما) وأحلام (31 عاما) هما ضمن قائمة المعتقلين الفلسطينيين الذين أطلقت إسرائيل سراحهم مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

ونزار ينتمي إلى فتح وحكم عليه بالسجن مدى الحياة بسبب مشاركته في عملية قتل مستوطن إسرائيلي في بداية التسعينات.

وعايش محمود التميمي شقيق نزار تفاصيل العلاقة بين نزار وأحلام لكونه أمضى أربع سنوات داخل السجون الإسرائيلية والتقى مع شقيقه نزار. وسبق أن التقى أحلام في الأردن قبل أن يتم اعتقاله.

وقال محمود: «قصة نزار ابن فتح وأحلام ابنة حركة حماس هي تعبير عن حقيقة الشعب الفلسطيني المتوحد، والانقسام القائم هو الحالة الشاذة».

علاوة على ذلك وفي رام الله يوم الثلاثاء الموافق 18 أكتوبر ألقى كل من محمود عباس، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وحسن يوسف من حركة حماس خطابات في تعبير عن الوحدة نادرا ما يحدث.

ومن الواضح أن إسرائيل هي أكثر المنتفعين من أي نزاع أو خلاف يحدث بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس. ودائما ما يركز السياسيون الإسرائيليون على هذا الخلاف. كما لم تضيع إسرائيل أي فرصة لإثارة النزاع بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس. على سبيل المثال، كانت إسرائيل غير راضية تماما على مبادرة محمود عباس بالذهاب إلى الأمم المتحدة، وذلك أثناء سعيه للاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967.

وهذا يتضمن الضفة الغربية، التي تشتمل على شرق القدس، وقطاع غزة. وعندما ذكر بعض زعماء حماس مثل خالد مشعل أن مبادرة أبو مازن لم تكن نتيجة لتشاور مستفيض مع جميع الفلسطينيين، كان هذا يعني أن حماس تعارض هذه المبادرة. وكان هذا شيئا يدعو إلى التأمل، كذلك فهو وسيلة للدعاية ضد أبو مازن ومنظمة التحرير الفلسطينية. ورغم ذلك يبدو أننا سنشهد الآن عهدا جديدا في المشهد الفلسطيني.

ونزار وأحلام رمزان في هذا الفصل الجديد في تاريخ فلسطين، بينما تعد خطابات أبو مازن ويوسف هي الرموز الرسمية في هذا الفصل.

كذلك فإن الإنجاز الثاني، والرئيسي، الذي نجم عن عملية إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين شديد الأهمية. أعني أننا أصبحنا نواجه نوعين من المفاوضات. النوع الأول هو المفاوضات الدائمة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وهي مفاوضات من أجل أن يكون هناك مفاوضات وحسب، كما قيل من قبل فإن التحدث والتحدث هو أكثر الاستراتيجيات الإسرائيلية شهرة.

ودعوني أذكر المطلب الأخير للجنة الرباعية وهو عقد مفاوضات مباشرة، وهذا يعني أنه في هذا الوقت لا يرغب الفلسطينيون في أن يكونوا ورقة في يد إسرائيل. وما من معنى لموافقة إسرائيل على خارطة طريق للسلام تضعها اللجنة الرباعية إذا لم يوقف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، جميع عمليات بناء المستوطنات واعترف بحدود 1967، كما ذكر مسؤول فلسطيني يوم الأحد.

وقال مكتب نتنياهو في بيان له: «إن إسرائيل ترحب بدعوة اللجنة الرباعية لعقد مفاوضات مباشرة بين الأطراف دون أي شروط مسبقة»، وأضاف البيان أن إسرائيل لديها بعض المخاوف بشأن خطة اللجنة الرباعية التي ستثيرها أثناء المفاوضات.

وأضاف البيان: «كما تدعو إسرائيل السلطة الفلسطينية إلى القيام بالشيء نفسه والدخول في مفاوضات مباشرة دون تأخير». وعلى الرغم من ذلك، ذكر نبيل أبو ردينه، الناطق الرسمي باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حديثه مع وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، يوم الأحد، أنه يتعين على إسرائيل وقف بناء المستوطنات والاعتراف بحدود 1967 لاستئناف المحادثات.

وقال أبو ردينه: «إن استكمال المفاوضات يتطلب التزام إسرائيل بوقف بناء المستوطنات والعودة إلى حدود 1967 دون أي مراوغة أو محاولة لتجنب القرارات الدولية».

وأضاف: «إذا كانت إسرائيل جادة، فعليها أن تلتزم دون أي تحفظات بالقرارات الدولية التي نصت عليها خارطة الطريق، والتي تمثل قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية».

وذكر أيضا في تعليقه على إعلان إسرائيل، أن صائب عريقات، المسؤول الفلسطيني، ذكر في تصريح له لوكالة الأنباء الفرنسية أن بيان نتنياهو كان «محاولة لخداع المجتمع الدولي. وأنه إذا كان يوافق على بيان اللجنة الرباعية فعليه أن يعلن وقف بناء المستوطنات، بما في ذلك النمو الطبيعي، والموافقة على مبادئ حدود 1967 لأن هذا ما تضمنه بيان اللجنة الرباعية بوضوح».

هل تعلمون الجانب الخفي في استراتيجية إسرائيل؟ عندما قالوا إن لديهم بعض المخاوف، كان هذا بمثابة قنبلة تدمر كل شيء، فماذا كانت نتيجة مؤتمر أنابوليس؟!

ومن جانب آخر، فقد شهدنا المفاوضات بين حماس وإسرائيل. فمن ناحية كان حماس لديها شاليط ومن الناحية الأخرى كان لدى إسرائيل السجناء الفلسطينيون. وكان هناك بندان شديدا الوضوح من أجل عقد مفاوضات. وهذا يعني أنه دون وجود قوة، لن يكون هناك أي مفاوضات. حيث تعد دولة فلسطين شبه المستقلة في الضفة الغربية وغزة من إنجازات الانتفاضة، كما يعد إطلاق سراح 1027 أسيرا فلسطينيا من إنجازات أسر شاليط. وهذا هو الحديث الذي تفهمه إسرائيل. لكننا يجب ألا ننسى السجناء الآخرين، خاصة هؤلاء الذين أمضوا أكثر من عقدين في السجون الإسرائيلية. فهم رموز الوحدة والقوة. كما يعد نزار وأحلام رموز فلسطين الآن.

وإذا كان الفلسطينيون يرغبون حقا في الحصول على الاستقلال وبناء دولة حقيقية، إذن فهم بحاجة إلى الوحدة والقوة. وهذه هي الرسالة المتضمنة في إطلاق سراح السجناء.