جحا الرومي

TT

لا أدري لماذا أطلق لقب الرومي على جحا الملا نصر الدين خوجه، فقد كان تركيا مسلما وقاضيا. ربما اكتسب اسم جحا من جحا الفزاري لما ارتبط به من طرائف. شاع صيته في سائر أمصار العالم الإسلامي حتى وصل أواسط آسيا؛ حيث رويت حكاياته باسم مشفقي. قلما ارتبط ظريف مسلم بعدد من الطرائف والحكايات كما ارتبط جحا هذا. ارتبطت حياته وحكاياته بزوجته وحماره فشكلوا هذا الثلاثي المرح من الكوميديا التي أوحت للكثير من الأدباء والفنانين بأصناف مختلفة من المنتجات السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والأعمال المسرحية والأدبية، بل استوحى منها بعض الساسة والمعلقين السياسيين صورا وأفكارا للتعبير عما في ذهنهم، كما فعل فكري أباظة في مصر عندما استعمل حكاية «مسمار جحا» في الرد على الإنجليز وطلبهم في الإبقاء على قاعدة عسكرية في السويس. نكات جحا وطرائفه ومغامراته مشهورة وكثيرة ونشرت في شتى المجموعات. ولا أتصور أحدا منا لم يسمع ببعضها. ومهما أفعل فلن أستطيع في هذه المقالة القصيرة أن أغطي ولو نتفة صغيرة منها. بيد أنني سأختار منها ما أجد له أبعادا سياسية واجتماعية قد تكون مفيدة بالنسبة لهذا الربيع العربي.

شكا القوم من الفيل الذي جاء به الوالي وما يسببه من أضرار، فاقترح جحا السير بمظاهرة لمكتب الوالي لعرض شكواهم. قالوا حسنا قلت. سارت المظاهرة بجموع غفيرة ولكنهم بدأوا بالتهرب منها باقترابها من مكتب الوالي. وعندما وصل جحا باب المكتب لم يجد وراءه أي شخص. هربوا جميعا. صاح به الوالي: ماذا تريد؟ تكلم. قال وقد وجد نفسه وحيدا أمامه، يا حضرة الوالي، الناس يشكرونك على هذا الفيل الظريف الذي يستمتعون به، ولكنهم يتمنون من جنابك أن تأتي له بأنثى يستأنس بها فلا يشعر بالوحدة فتكتمل فرحة الجمهور. فقال له: حسنا. قل لهم سآتيكم بفيلة وألبي طلبكم. شكره جحا على كرمه وخرج، وعندما وصل بيته سأله الناس عما جرى، فقال لهم يا جبناء، كان عندكم فيل واحد والآن سيكون عندكم فيلان!

وهذا شأننا. ولكن لنا لسان طويل عندما ينحصر الأمر في القول لا في العمل، فنرفع عقيرتنا بالنقد والتنديد. بني يشجب! خرج جحا من بيته راكبا حماره وابنه وراءه، قال الناس انظروا لهذا الأب الغليظ القلب.. يركب ويترك ابنه ماشيا. فنزل جحا وجعل ابنه يركب وهو يمشي وراءه. قالوا ما هذا؟ أين وصل الحال؟ الابن يركب ويترك أباه الشيخ يمشي على رجله! سمع جحا ذلك فقال يا ولدي. دعنا نركب معا على الحمار. فعلا ذلك فصرخ القوم: انظروا! ما بقيت رحمة بقلوب الناس. اثنان يركبان على هذا الحمار الصغير المسكين! فنزل جحا وابنه وراحا يمشيان على أقدامهما وراء الحمار. «يا للحماقة!»، قال القوم، «عندهما حمار ويتركان الحمار يمشي خاليا. خل واحدا منكما يركب على الأقل!».

يا ولدي لا سبيل لإرضاء الناس.. تعال نحمل الحمار ونمشي به. ففعلا.. فاستغرق الناس في الضحك على هذا الأحمق!