أربع دول.. وأربعة دروس مستفادة

TT

يتناقش الخبراء والسياسيون في ما يتوجب عليهم فعله إزاء ضعف الاقتصاد. وعلى الرغم من صعوبة العثور على نماذج إيجابية تقدمها الدول من حولنا، فإن من المفيد أن نأخذ في الاعتبار، أثناء بحثنا عن أجوبة، تلك المصائر التي نود تجنبها.

وهناك أربع دول يجدر بنا ملاحظة تاريخها الاقتصادي الحديث، وهي فرنسا واليونان واليابان وزيمبابوي، حيث توضح كل منها نوعا من السياسات الخاطئة التي يمكن، إذا لم نكن حذرين، أن تكون نذيرا ينبئ بمستقبل مشؤوم للاقتصاد الأميركي، ويمكننا أن نعتبرها الأسباب الأربعة لحدوث كارثة اقتصادية.

دعونا نبدأ بزيمبابوي، إذ لو كانت هناك جائزة لأسوأ سياسة اقتصادية في العالم، لكانت زيمبابوي فازت بها عدة مرات متتالية خلال العقد الماضي، ولا سيما في عامي 2008 و2009، اللذين شهدا تضخما مذهلا حقا، حيث ارتفعت الأسعار بسرعة كبيرة جعلت المصرف المركزي يطبع في نهاية المطاف عملات ورقية نقدية من فئة الـ100 تريليون دولار ليحملها الناس. وعلى الرغم من أن الدولة قد تخلت عن استخدام عملتها الخاصة منذ ذلك الحين، فإنه ما زال بإمكان المرء شراء واحدة من هذه العملات الورقية كتذكار مقابل نحو 5 دولارات أميركية.

وقد يجد البعض أنه من الصعب تصور أن الولايات المتحدة سوف تسلك هذا الطريق، ولكن الرعونة في طبع النقود قد أصبحت على ما يبدو مصدر قلق لحاكم ولاية تكساس، ريك بيري، الذي يسعى للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري لمنصب الرئيس، والذي أشار في أغسطس (آب) إلى أنه إذا ما قام رئيس مجلس إدارة مصرف الاحتياطي الفيدرالي، بن برنانكي، بطباعة أموال أكثر من اللازم قبل الانتخابات، فإن ذلك سيكون أشبه بـ«خيانة». وليس بيري وحده هو الذي تساوره هذه المخاوف، فالكثير من اليمينيين يخشون من أن تؤدي سياسات مصرف الاحتياطي الفيدرالي في الآونة الأخيرة، التي تهدف إلى مكافحة البطالة العالية في المقام الأول، إلى إحداث تضخم مفرط.

ولكن مع ذلك فإن برنانكي ليس قلقا من أن تتحول الولايات المتحدة إلى زيمبابوي أخرى، بقدر ما هو قلق من أن تتحول إلى يابان أخرى.

ولعل كبار السن الذين يتذكرون ما حدث في الثمانينات سيذكرون أن اليابان كانت قوة اقتصادية عظمى واعدة، وقد خشي كثير من الناس في ذلك الوقت (بشكل أكبر من اللازم، من وجهة نظري) من أن يشكل النمو الياباني السريع خطرا على الازدهار في الولايات المتحدة، على النحو نفسه تقريبا الذي يخيف الكثير من الناس اليوم (بشكل أكبر من اللازم، من وجهة نظري) من النمو السريع في الصين.

وقد تبددت المخاوف بشأن الهيمنة اليابانية سريعا، بعد انفجار الفقاعات في أسواق العقارات والأسهم في أوائل التسعينات، ومنذ ذلك الحين واليابان تناضل لاستعادة مكانتها. ويقول منتقدو المصرف المركزي الياباني إنه ركز، على نحو أكبر من اللازم، على قمع التهديدات التضخمية الوهمية، ولم يهتم بشكل كاف باستعادة النمو الاقتصادي القوي. وكان برنانكي أحد أولئك المنتقدين، قبل أن يصبح رئيس مجلس إدارة مصرف الاحتياطي الفيدرالي. ونتيجة لما شاهده من التردد والفشل الياباني فقد أصبح بالتأكيد أكثر استعدادا لتجربة أشكال غير تقليدية من السياسات النقدية في أعقاب أزمتنا المالية الخاصة.

كما يعي الاقتصاديون في إدارة أوباما جيدا التجربة اليابانية، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعلهم يضغطون من أجل تقديم المزيد من حوافز الإنفاق لدعم الطلب الإجمالي على السلع والخدمات.

ولكن هذه السياسة المالية لها مع ذلك مخاطرها الخاصة، فكلما زاد اعتمادنا على زيادة الإنفاق على العجز للحفاظ على الاقتصاد قائما على قدميه، أصبحنا أكثر عرضة لخطر على شاكلة أزمة الديون السيادية التي شاهدناها في اليونان على مدى العام الماضي، حيث يشكل خفض وكالة «ستاندرد آند بورز» لتصنيفها الائتماني للولايات المتحدة خلال الصيف نذيرا لما يمكن أن ينتظر اقتصاد الولايات المتحدة في المستقبل، حيث يجب علينا أن نسدد ديوننا على المدى الطويل، وإلا واجهنا عواقب وخيمة.

ومن المؤكد عدم وجود قلق في سوق السندات بشكل خاص من السيولة المالية للحكومة الفيدرالية، فهو لا يزال على استعداد لإقراض الولايات المتحدة بأسعار فائدة منخفضة، ولكن لا ينبغي أن ننسى أنه هكذا كان الحال في اليونان قبل أربع سنوات، وأنه متى بدأت سوق السندات في تغيير رأيها، فإنه يمكن أن تصدر حكما سريعا، يؤدي إلى الدخول في حلقة مفرغة من ارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة الديون، وعجز في الميزانية، وتراجع الثقة.

وتمنح أسواق السندات حكومة الولايات المتحدة الآن فائدة الشك، ويرجع ذلك من ناحية لوجود دول أخرى تبدو أكثر عرضة منها للأخطار الاقتصادية، ومن ناحية أخرى للاعتقاد السائد بأننا سنصلح وضعنا الاقتصادي في الوقت المناسب، ولكن يظل السؤال السياسي الكبير مطروحا، وهو كيف سيتأتى لنا القيام بهذا؟

وينبغي على الأمة الأميركية اتخاذ قرار مصيري لتحديد أولوياتها، فمن أجل الحفاظ على المستويات الحالية للضرائب، سوف نحتاج إلى إجراء تخفيض كبير في الإنفاق على شبكة الأمان الاجتماعي، التي تتضمن الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية، والمساعدة الطبية، وبرنامج الرعاية الصحية الجديد الذي يطلق عليه أحيانا اسم «رعاية أوباما»، أو يمكننا بدلا من ذلك الحفاظ على شبكة الأمان الاجتماعي الحالية، ورفع الضرائب بشكل كبير لتغطية تكلفتها، أو أن نختار مزيجا من خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، وهو ما يقودنا إلى آخر حكاية نأخذ منها العبرة، وهي حكاية فرنسا.

وهناك حقيقتان حول الاقتصاد الفرنسي، الأولى هي أن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي في فرنسا أقل بنسبة 29 في المائة مما هو عليه في الولايات المتحدة، وذلك يعود، إلى حد كبير، إلى عمل الفرنسيين عدد ساعات أقل بكثير على مدى حياتهم من عدد الساعات التي يعملها الأميركيون. والثانية هي أن الضرائب المفروضة على الفرنسيين أكبر من تلك المفروضة على الأميركيين، حيث كانت الضرائب في عام 2009 تمثل 24 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي في الولايات المتحدة، بينما كانت نسبتها 42 في المائة في فرنسا.

وعلى الرغم من الجدل الدائر بين خبراء الاقتصاد حول كون ارتفاع الضرائب في فرنسا ودول أوروبية أخرى هو السبب في انخفاض الجهد المبذول في العمل، وانخفاض دخل الفرد هناك، فإنه ربما كان السبب شيئا آخر تماما يتعلق بالرغبة في الاستمتاع بالحياة التي تفتقدها الثقافة الأميركية التي تتمحور حول العمل. وقد نجري تجربة على أرض الواقع قريبا لمعرفة ذلك، فلو لم يقم صناع السياسة الأميركية بكبح جماح الإنفاق الضروري على مدى العقود القليلة المقبلة، فلن يكون لديهم خيار سوى زيادة الضرائب إلى مستوى قريب من المستويات الأوروبية، وسيمكننا عندئذ أن نرى ما إذا كان الجيل المقبل من الأميركيين سينفق وقتا أقل في العمل وكسب لقمة العيش، ويقضي وقتا أطول في احتساء القهوة في الهواء الطلق على موائد المقاهي.

* خدمة «نيويورك تايمز»

* غريغوري مانكيو هو أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، ومستشار ميت رومني، الحاكم السابق لولاية ماساتشوستس، في حملته للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة