أحجية الكهرباء في العراق

TT

يحتار أي مراقب للمشهد العراقي في أن يجد تفسيرا أو مخرجا منطقيا لتردي وضع الكهرباء في العراق؛ فبعد أكثر من ثمانية أعوام على التغيير في عام 2003، ما زال المواطن العراقي يعاني عناء مزمنا ورثه عن النظام السابق وحتى هذه اللحظة من مرض عضال يدعى أحيانا تهرؤ المنظومة الكهربائية، أو تقادم خطوطها، أو فشل الطاقة الإنتاجية في تغطية الحاجة المحلية، وغيرها من التسميات والعناوين التي يتحذلق بها المسؤولون الحكوميون في مقابلاتهم الصحافية أو المؤتمرات السياسية؛ إذ تبدأ زخات الوعود وشآبيب الأمل تتدفق من أفواههم، محددة سقوفا زمنية للمعالجة، وبلغة مغلفة بالصدق والأمان، لكن سرعان ما تتبدد تلك الوعود ويتكشف زيفها، وإذا صعب الأمر عليهم في إدامة زخم موجات الكذب، يلجأون حينها مضطرين إلى إقالة الوزير الذي اتهم بالفساد والتطاول على المال العام، يرافق ذلك حملة دفاع الكتلة التي ينتمي إليها الوزير عن نزاهته وإيجاد التبريرات لإظهار الأمر وكأنه «دبر بليل» ومن ثم إعطاء الاتهام صفة التسييس من قبل خصومهم السياسيين.. وهكذا هي الحال؛ يتلاقف كرة الكهرباء وزير من وزير، ويخرج بالطريقة ذاتها التي خرج بها سلفه.. عموما الذي دفعني لكتابة هذه المادة خبر بثته فضائية أجنبية ناطقة بالعربية مفاده العثور على ماكينات لمولدات كهربائية ضخمة جدا، وجدت في مخازن ميناء خور الزبير قيمتها أكثر من أربعة مليارات دولار!! ومضى عليها أكثر من عامين هناك، والقيمة الافتراضية لإنتاج هذه الماكينات تتجاوز 4 آلاف ميغاواط؛ أي ضعف ما ينتج في إقليم كردستان من طاقة، أي، بحسبة أخرى، أنها تكفي لست محافظات، إذا ما علمنا بأن الإقليم يتمتع بساعات تشغيل تصل إلى 24 ساعة في اليوم.. هكذا خبر مر مرور الكرام من دون ردود فعل قوية تتناسب مع حجم الكارثة ولا حتى في محافظة البصرة التي طالما خرجت في مظاهرات تندد بمعاناتها من الكهرباء حتى إن الشاعر كاظم الحجاج اعتكف في داره لحين تحسن الكهرباء.

لكن هل ما زال العراقيون تحت تأثير الصدمة؟ أم إنهم بين مصدق ومكذب للخبر؟ أم وصلوا إلى أقصى حالة اليأس؟ على أية حال، باتت الكهرباء أحجية لا تفك طلاسمها، وفي كل مرة تتدفق آلاف التبريرات، يقدمها جهابذة السياسة ويتحذلق بها الفنيون، حتى سئم المواطن من تكرارها؛ آخرها لقاء مع أحد كبار مسؤولي وزارة الكهرباء مع فضائية عربية، حين سئل عن سر وجود الكهرباء في إقليم كردستان على مدار 24 ساعة حيث وفر مستثمر عراقي الكهرباء وأخفقت الوزارة في تحقيق ذلك! فقال: «نحن لدينا برنامج واضح.. المشكلة تكمن في شيئين:

الأموال اللازمة لتنفيذ هذا البرنامج هي المقصرة، إلى جانب مثلا مساواة وزارة الكهرباء مع وزارة الصحة والتربية.. فيجب أن يعطوا مبالغ كبيرة للكهرباء.. وميزانية العراق هي 80% ميزانية تشغيلية».

الإجابة هنا لا تحترم وعي المتلقي؛ فالعراق أنفق ما يناهز الثمانين مليار دولار كحكومة، وأحد الوزراء صرح متندرا، بأن ما أنفق على الكهرباء من أموال، يعادل ما قيمته شقة فاخرة في لندن لكل عراقي. طبعا ناهيك بما أنفقه المواطنون من مليارات الدولارات على شراء المولدات المنزلية؛ إذ لا تخلو دار عراقية منها، والجميع استهلك أكثر من واحدة، فضلا عن شراء آلاف الأطنان من الأسلاك الكهربائية للربط مع المولدات الأهلية.. وهذه الإجابة تتقاطع مع ما قيل له بأن الحكومة في الإقليم لم تصرف سنتا واحدا على الكهرباء؛ بل إن محطات المستثمر هذه تعمل وفق نظام البيع المقطوع للكهرباء، ومن ثم رافق المشروع استخراج الغاز لتغذية المحطتين به؛ الأمر الذي وفر للإقليم أكثر من مليارين ونصف المليار دولار سنويا، وهذا المستثمر العراقي قدم العرض نفسه لذوي الشأن في الحكومة المركزية لكنهم رفضوا!.. ترى من يفك رموز هذه الأحجية واللغز المحير؟ وهل تقف خلف ذلك نظرية المؤامرة كما يظن البعض؟ أم ما يطبق من أجندات خارجية لدول الجوار؟ أم الرهان على ترويض المواطن؟ ثم كيف نفسر تصريح يقول إن ما ينفق على الكهرباء يذهب 80% منه على الوقود؟

السؤال: من سيحل هذه الأحجية؟ ومتى؟ وكيف؟