سلطان بن عبد العزيز.. والدفاع عن الوطن

TT

تتوارد الخواطر وتتزاحم الأفكار، للتعبير عن فقدنا، نحن السعوديين، بل العالم أجمع قامة سياسية وإنسانية، بحجم شخصية سلطان بن عبد العزيز آل سعود – غفر الله له.

إنه أسطورة ملحمة إنسانية وسياسية في تاريخ أمة؛ فقد استطاع بحنكته ونفاذ بصيرته وعقيدته الراسخة أن يسهم مع إخوته في بناء هذه الدولة الشامخة - المملكة العربية السعودية - بعد أن أرسى قواعدها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - يرحمه الله. استطاع الأمير سلطان، الإنسان والقائد، أن يكسب قلوب وعقول أفراد الشعب السعودي بكافة شرائحه ومناطقه، وأن يحظى باحترام شعوب وقادة العالم عربا وعجما، كما أسهم إسهاما فاعلا في أن يجعل من بلده إحدى معادلات التوازن في السياسة الإقليمية والدولية؛ فقد تتلمذ على يد والده الملك المؤسس، فقام بتدريبه على ممارسة نظام الحكم المحلي، وأتاح له التعرف على دهاليز السياسة العالمية. وهكذا نجح سلطان بن عبد العزيز مع إخوته في قيادة هذه الدولة واستكمال مسيرة البناء.

وتعتبر القوات المسلحة من أهم أركان الدولة، التي استطاع الأمير سلطان، بقدرة فائقة، تحمل مسؤولية بناء هذا القطاع، البناء العددي والفكري؛ حيث يمثل البناء الفكري لأي قوات مسلحة الركيزة الأساسية في استقرار هذه القوات، وبالتالي استقرار الدولة وازدهارها. لقد استطاع الأمير سلطان بحنكته ودبلوماسيته وقيادته الفذة، وعقيدته الراسخة، تحمل تلك الأمانة والمسؤولية كوزير للدفاع، وأن يبحر ببلده إلى بر الأمان على الرغم من الأحداث الجسام وتحديات العصر السياسية والفكرية والعسكرية التي واجهتها المملكة في مراحلها المختلفة.

لقد تحمل الأمانة والمسؤولية تلك على الرغم من كبرها وأهميتها، خاصة في خضم الحرب الباردة بين العواصم العربية، والبروز القوي لدور العسكر في تلك الدول، المتأثرة بالمد الشيوعي والاشتراكي، البعثي والناصري، إضافة إلى الحرب الباردة بين القوتين العظميين، وتحديات الصراعات الإقليمية.

لقد أسس الأمير سلطان عقيدة القوات المسلحة السعودية على أسس متينة من الثوابت نفسها التي أرسى دعائمها الملك عبد العزيز، وهي تستند على عقيدة إسلامية صحيحة، والتي تعتبر مقياسا لصحة العقيدة العسكرية لدولة تعتبر قبلة المسلمين وتحظى بخدمة وحماية الحرمين الشريفين.

ويعتبر الأمير سلطان أحد فرسان البناء والتنمية في المملكة؛ فهو رائد من رواد خطط التنمية، سواء أكانت إدارية، تعليمية، صحية، زراعية، اقتصادية، اجتماعية، أم عسكرية. ففي جانب التنمية العسكرية استطاع سموه بثاقب نظره أن يتخطى عامل الزمن، والسباق معه، لتطوير وتقوية الجيش السعودي وتحديثه، كونه يمثل ركيزة الاستقرار السياسي والأمني للمملكة. ولم يقتصر هذا التطوير على جانب العتاد فقط، بل أسهمت القوات السعودية في مسيرة التنمية الشاملة للمملكة. من خلال صروحها العلمية والطبية والصناعية ومشاريع الإسكان التابعة لها، التي سخرت جميعها، بتوجيه ومتابعة شخصية من سموه - يرحمه الله - لخدمة المواطن السعودي والمقيم في جميع أقاليم المملكة ومناطقها. وهكذا شيد سلطان بن عبد العزيز بناء القوات المسلحة السعودية عاليا، مما أسهم في أن تقوم هذه القوات بواجبها تجاه دينها ودولتها، على الرغم من التحديات الإقليمية والدولية التي واجهتها السعودية في مراحلها المختلفة. نذكر منها على سبيل المثال فقط: الحرب مع النظام الناصري في اليمن، والحرب مع الحكم الشيوعي في اليمن الجنوبي، والحرب العراقية الإيرانية، وأزمتا الخليج الأولى والثانية، وآخرها حرب الحوثيين. فقد استشرف سموه رؤية المستقبل في بنائه للقوات المسلحة السعودية؛ حيث أثبت الزمن أن المخاطر المحدقة بالمملكة كبيرة وأن الدولة القوية بعقيدتها وعتادها ورجالها هي الضامن، بعد الله، لاستقرارها وازدهارها، وهذا ما بذره سلطان لنا نحن السعوديين وللأجيال من بعدنا. فرحم الله سلطان بن عبد العزيز.