هل تولد تحالفات جديدة في العراق؟

TT

ما الذي دفع الدكتور إياد علاوي زعيم القائمة العراقية لأن يتخلى عن مجلس السياسات وهو الذي كان يصرّ على تشريع قانونه بقوة؟ وهل شعر علاوي بأن هذا المجلس أجهض قبل ولادته؟ أم أنه تكتيك جديد يتبعه الرجل، خصوصا وأن موعد انتخابات مجالس المحافظات اقترب ومن شأنه أن يعزز مكانته كرجل معارضة أكثر مما هو رجل حكومة، شأنه في ذلك شأن نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي الذي استقال من منصبة ترشيقا للدولة العراقية؟

بكل تأكيد لا يمكننا أن نقول بأن الدكتور إياد علاوي يمثل الآن زعيم المعارضة في بلد تتشارك فيه كل القوى السياسية في السلطة التنفيذية، بما فيها الدكتور إياد علاوي الذي حصلت قائمته على 9 وزارات و3 مناصب أخرى في الرئاسات الثلاث، وإن لم يحصل هو على أي منصب فهذا لا يعني أنه يمثل المعارضة، إلا إذا افترضنا بأن حركة الوفاق التي يقودها الدكتور علاوي خارج القائمة العراقية وبالتالي يحق له أن يكون زعيما للمعارضة العراقية داخل مجلس النواب، وهذا هو الإطار الوحيد الذي يجعله يجلس في مقاعد المعارضة.

وبكل تأكيد إن ما دفعه لأن يتنازل عن مجلس السياسات عدة معطيات، أولها عدم تشريع قانون هذا المجلس لأنه يتعارض كليا مع الدستور العراقي، وثانيها عدم رغبة زعماء القائمة العراقية أنفسهم في أن يكون قانون هذا المجلس حجر عثرة في طريق علاقاتهم التي بدأت تقوى أكثر مع باقي الكتل القوية داخل البرلمان والحكومة، خصوصا مع الائتلافين الشيعي والكردي اللذين وجها أكثر من رسالة لإمكانية تشكيل حكومة أغلبية سياسية وإنهاء الشراكة، ومواقف زعماء القائمة العراقية التي يتزعمها علاوي ناجمة عن حصولهم على مناصب رفيعة المستوى ما كانوا سيحصلون عليها لو كان إياد علاوي رئيسا للوزراء أو للجمهورية، إضافة إلى الامتيازات الأخرى ومنها إعفاؤهم من قانون المساءلة والعدالة.

أما الجانب الثالث والأهم فهو شعور علاوي ذاتيا بأنه بات بلا حلفاء، على الأقل في هذه المرحلة التي وصلت فيها الأمور إلى حالة القطيعة العلنية بينه وبين باقي الأطراف المشاركة في العملية السياسية في البلد، خصوصا بعد تصريح المالكي بأن علاوي شريك غير مرغوب فيه، ولم تكن هنالك ردود أفعال من أعضاء القائمة العرقية على هذا التصريح الذي أعلن نهاية الشراكة مع علاوي وليس أعضاء القائمة العراقية، وهذه الحالة طبيعية جدا في بلد كالعراق تتغير فيه التحالفات بين ليلة وضحاها. ولم يكن علاوي الأول الذي تخذله التحالفات، بل سبقه لذلك أحمد الجلبي الذي تعرض لأكثر من هزة في السنوات الأخيرة، آخرها رفض المالكي لتسلم الجلبي حقيبة الداخلية، ولعل كليهما يدفع ضريبة القدوم للعراق مع الأميركان، وهذه الضريبة من شأنها - إن تم الانسحاب الأميركي وفق الجداول المعدة له في نهاية هذا العام - أن يطيح هذا الانسحاب بالمستقبل السياسي لهما، وهذا ما عبر عنه الدكتور علاوي في مؤتمره الصحافي الذي أعلن فيه تخليه عن رئاسة مجلس لم يشكل، بعد حين تتطرق إلى مسألة تخلي الأميركان عن دعم الجهود الرامية إلى تشكيل هذا المجلس، وهذا يعني أن أميركا تخلت كليا عن شركائها عام 2003 وبالتالي لم يكن أمام علاوي سوى أن يعلن انسحابه من الترشح لهذا المنصب الذي أثار الجدل.

هنا يسأل المواطن العراقي سؤالا في غاية الأهمية ويتمثل في جدوى الديمقراطية والانتخابات إذا كان الجميع لا يجد نفسه إلا رئيسا للوزراء أو الجمهورية، وهنا علينا أن نسأل: كيف سيكون حال الشعوب العربية سواء في مصر أو تونس أو غيرها من البلدان العربية التي تتهيأ لخوض انتخابات من شأنها أن تحدث نقلة نوعية في تاريخها؟ هل سنجد ثمة تقاتلا على المناصب؟ وهل سيحظر النموذج العراقي في هذه البلدان؟

يبدو السؤال هنا سابقا لأوانه رغم أن البعض يتوقع هذا بحكم ديمغرافية المجتمع العربي نفسه وعقلية النخب السياسية أيضا، التي تتطير من مقاعد المعارضة وتبحث دائما عن المناصب مهما كان الثمن، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى منزلقات كثيرة في مسيرة الديمقراطية التي ينتظر منها الناس التنمية والرفاهية وليس الاقتتال والحرب الأهلية.