الثورة في مصر ستقوم بعد الانتخابات

TT

كيف تقول بأن الثورة ستقوم بعد الانتخابات؟ ألم تكن هناك ثورة شهد لها العالم بأنها أهم ثورة حدثت في التاريخ، وأن اسم «ميدان التحرير» الآن هو رمز للثورة من القاهرة، عبورا بلندن حتى نيويورك.. ماذا دهاك؟ ألا تجد في نفسك ما يشجع هذا الشعب على المضي إلى الأمام؟ هكذا قال صاحبي عندما قلت له بأن الثورة في مصر ستقوم بعد انتخابات مجلس الشعب المقبلة.

وهنا أقصد الثورة الثالثة. وليتريث البعض قبل إصدار الأحكام كي يفهموا الموضوع ثم بعدها يحكمون على الأمر، ولا نأخذ الكلام «من شواشيه» كما يقولون بالعامية المصرية.

بداية، ولنتعرف على ما أرمي إليه، لا بد أن نواجه حقائق محددة في ما يخص ما حدث في مصر؛ فبينما يتحدث الجميع عن ثورة واحدة، وأن الجيش والشعب يد واحدة، أقول بأن هناك ثورتين، فالجيش والشعب كانا يريدان ثورتين مختلفتين، ولم يكونا أبدا يدا واحدة، كما كان يقول الشعار.

كانت في مصر ثورتان؛ إحداهما على جمال مبارك وشلته، وهي ثورة قامت بعد تردد شديد وهمهمات داخل الغرف المغلقة لقيادات الجيش ولم يتجرأ أصحابها على الجهر بمطلبهم إلا عندما رأوا جموع المصريين في الشوارع في 25 يناير (كانون الثاني) وما بعد.

أما الثورة الثانية؛ فهي ثورة قامت على مبارك ونظامه، وقام بها الشباب الراغب في تغيير النظام ونقل مصر إلى عالم مختلف.

وبين الثورة والثورة وقفت جموع مختلفة تبحث عن غنيمة أو فريسة، فالبلطجية مثلا قسموا أنفسهم بين بلطجية الثورة وبلطجية النظام.

وبالطبع لا يجرؤ أحد على الحديث عن أنه كانت للثورة بلطجية؛ فالثورة التي في مخيلتنا، أقصد الشعبية منها كانت نقية ورائقة كماء النيل بعد هدوء الفيضان. لكن لمن كانوا في الثورة منذ اليوم الأول يعرفون أن الذي هزم الداخلية لم يكن شباب الثورة، بل الذين جاءوا من العشوائيات المحيطة بالقاهرة، وهم من أنهكوا الأمن المركزي لأنهم متعودون على لقياه بعد كل مباراة من مباريات الأهلي والزمالك، ولكن ليست هذه هي القصة.

المهم أنه كما كان للنظام بلطجيته في موقعة الجمل، كان للثورة بلطجيتها في البداية، ولكن تدريجيا انزوى عن الثورة بلطجيتها الفيزيائية، وازداد بلطجية النظام، خصوصا بعد فتح السجون وصولا إلى موقعة الجمل وما بعدها. أما الثورة، فقد انحسر بلطجيتها في الإعلام والتشويه وفي الباحثين عن الغنائم. فالثورة كانت كموقعة أحد، انشغل الناس فيها بالغنائم، فخسروا الثورة لكفار قريش، وبـ«الكفر» لا أعني المفهوم الديني، ولكن من كفر بشيء هو من غطاه وأنكره.. شيء قريب من كلمة «cover» الإنجليزية التي تتشابه معها في النطق. كفر هؤلاء بالثورة وذهبوا للغنائم ولما لم يجدوها وجدوا ضالتهم في أموال فلول النظام وتجاره.

وأيضا تلك تفصيلة لا يجب التوقف عندها كثيرا.. فالمهم في كل هذا هو أن الثورة على مبارك ونظامه قد فشلت، فقط نجحت الثورة على جمال مبارك وشلته متمثلة في سيطرة المجلس العسكري على الحكم وما سيتبع العملية السياسية من مكاسب للعسكر.

نزع القائمون على الحكم بعض صفحات من كتب عملية السلام عند بنيامين نتنياهو وطبقوها على مصر بعد الثورة؛ ففي «عملية السلام» أدخلنا الإسرائيليون في «العملية» وتركوا «السلام» كهدف، وما زلنا نبحث عن «السلام»، ولكننا غارقون منذ سنين في تفاصيل «العملية»، لدرجة أن الكثيرين منا من نوعية المفاوض الفلسطيني نسي الهدف الأساسي وهو «السلام» وانخرط في تكتيكات »العملية».

الناس في مصر نسيت «الثورة» وأهدافها وانخرطت الآن في «العملية».. انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الشورى، وهوية الدولة ومن بعدها معركة الدستور، ورؤية عمرو موسى للدولة، وقانون دور العبادة، «موحد»، أو «مش موحد» بالله.

نسي المصريون الثورة، وبدت الثورة كأتوبيسات القاهرة، «يتشعبط» فيها الناس باحثين عن مكان، بينما يصيح المجلس العسكري: «ادخل ادخل الأتوبيس (قصدي الثورة) فاضية جُوَّة»، وبالفعل، أصبحت الثورة «فاضية جوة»، مفرغة من مضمونها، فقط ناس متشعبطة على التلفزيونات والمنابر باحثة عن غنيمة أو موقع قدم، رغم أن المجلس ينادي بجد: «الأتوبيس فاضي جوة»، بمعني: «مفيش حاجة، خلاص الثورة خلصت»..

وهنا أقصد «الثورة» بمعناها الشعبي ضد مبارك وأركان نظامه؛ فمبارك باق والنظام باق، وأمن الدولة باق، والأمن المركزي باق.

أما الثورة على جمال مبارك فهي الثورة التي نجحت، قضي على التوريث من الأب إلى الابن، ولكن بقي التوريث من عسكري إلى عسكري آخر، أو عسكري بشراكة إخوانية أو سلفية، أو عسكري محاط بصيحات «المتشعبطين» على سلم الثورة والباحثين عن مكان في الثورة «اللي فاضية قوي جوة».

لهذا، لا بد للشعب أن يعي أن الثورة الشعبية الأولى تم إجهاضها تقريبا، وأن الثورة ضد جمال وشلته هي التي نجحت.. ومن هنا، لا يبقى أمام الشعب إلا أن يقوم بالثورة الثالثة، وهذه سوف تحدث بعد انتخابات مجلس الشعب، بعد أن ينظر المصريون إلى وجه النظام الذي أنتجوه بعد الانتخابات الحرة «قوي» والنزيهة «قوي» التي مارسوها، ليجدوا أنهم أنتجوا نظام مبارك من غير جمال وأحمد عز.

هنا تنظر مصر إلى وجهها في المرآة، فلا ترى إلا التجاعيد القديمة، وقد ذهبت وفي فترة وجيزة نضارة الشباب التي رأيناها في الفترة من 25 إلى 11 يناير 2011. ووقتها فقط ستقوم الثورة بجد.