حماه: الهولوكوست السوري

TT

رُبي العرب المعاصرون ودرسوا في تاريخ فلسطين وإجرام إسرائيل فيها، وكانت مذبحة دير ياسين هي مضرب الأمثال في ذلك الأمر، ومحصلة المذبحة كانت من 250 إلى 360 قتيلا بحسب المصادر الفلسطينية، بينما تشير المصادر الغربية والمعتمدة على الروايات الإسرائيلية بأن عدد القتلى 107، وهناك المجزرة الأخرى المشهورة التي حصلت في لبنان على أيدي الميليشيات المسيحية بدعم إسرائيلي واضح ضد المعسكرات الفلسطينية ونتج عن ذلك الوضع الدموي موت ما يقارب ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف قتيل، وهناك طبعا مذبحة حلبجة التي تسبب النظام البعثي العراقي فيها بحق مواطنيه الأكراد وتم فيها استخدام السلاح الكيماوي المحرم دوليا وكان نتاج ذلك موت ما يقارب الستة آلاف قتيل. أما أم المذابح في المنطقة والسر الدموي القذر الذي لم يلق التغطية الإعلامية والأخلاقية المطلوبة فهو ما حدث في مدينة حماه السورية، والتي أسفرت عن قتل 45 ألف قتيل واختفاء ما يقارب 15 ألف شخص، وهي مجزرة مرعبة ومذهلة بكل المقاييس والمعايير، تم فيها استخدام كل أنواع الأسلحة والعتاد على السكان العزل، استخدمت فيها الدبابات والصواريخ وكذلك تم استخدام الطائرات الحربية في قصف مباشر ثم إبادة الناس وهم في داخل منازلهم وإهباط العمائر بأكملها بمن فيها، وكان القتل يتم بشكل عشوائي ودون تمييز. هدمت المساجد ودمرت المتاجر وحرقت البيوت وامتلأت الشوارع بالجثث، استمرت هذه المجزرة لفترة قصيرة ولكن المشاهد كانت مرعبة، الغيوم السوداء كانت تملأ السماء جراء القصف ونهر العاصي امتلأ بالدماء نتيجة الجثث التي كانت ترمى فيه، الرماد وركام المنازل حولا حماه إلى مقبرة مهولة يحيط بها الموت من كل مكان ولا يصبّرها إلا آهات الأمهات المحروقة ودموع الآباء المقهورة وصرخات من دفنوا تحت الأنقاض، تحول فيها الولدان في لحظات إلى شيب. إنها مشاهد من حماه أم المذابح وأم المجازر، هي الفاتورة الأعظم لنظام الأسد القمعي، وهي فاتورة لا يزال النظام يواصل سدادها بشتى الطرق وبفائدة مركبة مذهلة. لم يعتذر الأسد الأب ولا الأسد الأخ ولا الأسد الابن عن المذبحة التي ارتكبوها وواصلوا نهجهم بملاحقة أهل حماه بالسجن والطرد من البلاد، إنه كابوس حماه الذي لم ينته، أحياء حماه العظيمة المسماة على أهلها الكرام مثل الكيلانيين ومثل البارودية وغيرها دمرت وأهين أهلها وأشبعوا ذلا، وها هو النظام اليوم يعيد إهانة أهل حماه وسائر السوريين بالقتل المنظم والاعتقال والقمع والإصابة، العالم ارتكب الخطأ الأخلاقي الكبير يوم لم يتعامل بحزم وأمانة ومصداقية وقوة مع جريمة حماه، وإدانة المجرمين المتسببين فيها ولكن اليوم المجتمع الدولي يبدو ظاهريا أنه لم يعد يقبل بتكرار المجازر من جديد، لا بالجملة ولا بالتقسيط. حماه كانت السقطة الإجرامية والأخلاقية الأخطر في تاريخ النظام البعثي الحاكم في سوريا، وعدم معاقبته عليها دوليا شجعه ومكنه من أن يستمر في نهجه القمعي بلا رحمة وبلا هوادة وبلا خوف ولكن لكل أجل كتاب، والهولوكوست السوري لا بد أن ينتهي، ومسؤولية انتهائه الفوري هي مسؤولية المجتمع الدولي جميعا، وكل من يتخاذل عن ذلك هو مشارك في الجريمة.

[email protected]