حينما لا يتحاور الأطباء مع مرضاهم بشكل مفيد، تكون النتيجة عدم معرفة المريض لما يقوم به طبيبه وما هو تشخيص مشكلته الصحية التي دفعته لزيارة الطبيب وما عليه فعله للتخلص منها.
وحينما لا يستشعر الأطباء جوانب مسئوليتهم الطبية في “الاهتمام الشامل” بمعالجة مرضاهم، ويقتصر لديهم أداء الواجب في معالجة المرض دون مسبباته، تبقى المشاكل الطبية لدى المرضى دون حل أو يتكرر حصولها.
وحينما لا يرى الطبيب من المريض سوى أعضاء معتلة أو أرقام مضطربة في أوراق نتائج التحاليل أو تغيرات غير طبيعية في صور الأشعة، فإن الطبيب يعيش حينها بالفعل في خيال من التصورات الطبية التي لا علاقة له بواقع حال مريضه كإنسان مكون من جسم به أعضاء وأجزاء، وعقل له تفكير ومشاعر، وحياة يومية لها ارتباطات أسرية وأعباء وظيفية وغيرها من الجوانب.
دعونا نستعرض كمثال واحدة من الدراسات الطبية الحديثة التي قام الباحثون فيها بشيء بسيط جداً ولكن نتائجه كانت مثيرة للدهشة لدرجة قد تفاجئ بعض الأطباء وتدفعهم إلى القول “آنى هذا”. ضمن فعاليات اللقاء السنوي للكلية الأميركية لأطباء الإسعاف الذي عقد في سان فرانسيسكو، تم في يوم 15 أكتوبر الماضي عرض نتائج دراسة الباحثين من قسم الإسعاف بمستشفى شاندس التعليمي، التابع لجامعة فلوريدا في مدينة غينزفيل بولاية فلوريدا الأميركية، حول السمنة وتأثيراتها الصحية. الباحثون انتقوا بشكل عشوائي عينة مكونة من 450 شخص ممن راجعوا قسم الإسعاف المذكور. وتم الطلب منهم الإجابة على سؤالين مباشرين، الأول: هل تعتقد أن وزنك الحالي قد يتسبب بتأثيرات ضارة على صحتك؟. والثاني: هل سبق لطبيبك، أو أي من أفراد الوسط الطبي الذين تعاملت معهم، إخبارك بأن لديك زيادة في الوزن؟.
النتائج تضمنت التالي:
* من بين منْ اعترفوا أن وزنهم مرتفع وغير صحي، فقط 19% منهم قالوا أنه بالفعل حصلت مناقشة لهذا الأمر مع طبيبهم. ومن بين هؤلاء الذين ناقشهم أطبائهم في الأمر، 30% منهم فقط متفقون مع أطبائهم في رؤيتهم أن زيادة وزن الجسم شيء ضار بالصحة!.
* بعد قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم body mass index (BMI) ومحيط الخصر waist circumference ، كمؤشرات دقيقة لتصنيف حالة وزن الجسم، تبين أن 53% من الرجال الذين لديهم بالفعل سمنة obesity أو زيادة في الوزن overweight لا يعتقدون أن وزنهم يمثل مصدراً محتملاً لمشكلة صحية لديهم!. وأن حوالي 40% من النساء كذلك!.
* من بين منْ لديهم بالفعل زيادة في الوزن أو سمنة، فقط 36% من الرجال منهم و 50% من النساء منهن، قالوا أن أطبائهم ناقشوا معهم موضوع التأثيرات الصحية للسمنة ولزيادة الوزن. والبقية لم يتم لهم ذلك من قبل أطبائهم!.
الدكتور ماثيو رايان، الأستاذ المساعد بجامعة فلوريدا وطبيب الإسعاف والباحث الرئيس في الدراسة، علق بالقول:” نحن نرى يومياً عواقب السمنة على المرضى المراجعين في قسم الإسعاف. السمنة لها ارتباط مباشر بارتفاع ضغط الدم ومرض السكري والأمراض السرطانية وتلف المفاصل وحصاة المرارة وأمراض القلب والسكتة الدماغية. كما نرى يومياً على المرضى تأثيرات السمنة في إثارة التدهور لدى المُصابين بالأمراض المزمنة”.
التعليق الأخر على النتائج جاء من كيري غانز، الناطقة الرسمية باسم رابطة التغذية الأميركية، بقولها:” هذا شيء مقلق ومحبط disconcerting ، الناس يحتاجون من أطبائهم إخبارهم بشكل مباشر وواضح بأنهم إذا لم يعودوا بأوزانهم إلى المعدلات الطبيعية فإنهم يضعون أنفسهم في نطاق ارتفاع احتمالات خطورة الإصابة بالأمراض. والناس إذا لم يُخبرهم الطبيب بهذا فإنهم تلقائياً سيعتقدون بأن الأمر لا يمثل مشكلة ولا يستدعي الاهتمام أو القلق”.
مثل هذه النتائج ليست الأولى التي تطرق مسامع الوسط الطبي، ففي أغسطس من العام الماضي تم نشر نتائج “إحصائيات تفاعل هاريس لليوم الصحي” ، والتي شملت 2500 شخص بالولايات المتحدة. وتبين من نتائجها أن 30% ممن لديهم زيادة في الوزن يعتقدون أن وزنهم طبيعي. والأغرب أن 70% ممن لديهم سمنة بالفعل، يعتقدون أنهم ليسوا كذلك!.
من الصعب تخيل أن في المجتمعات المتقدمة في خدماتها الصحية، تُوجد تلك النسبة المرتفعة من المرضى الذين لا يُدركون المعلومات البدائية جداً عن السمنة وزيادة الوزن، ولكن هذا هو الواقع التي تتحدث عنه الإحصائيات الطبية. وإذا كان هذا في تلك المجتمعات فما هو واقع الحال في المجتمعات الأخرى.
وإذا كان هذا هو واقع معرفة المرضى في مشكلة اضطرابات وزن الجسم، والذي يستطيع أي واحد قياسه في منزله، فما هو الحال في الاضطرابات الصحية الخفية أو المعقدة، التي تتطلب فحوصات وتحاليل واختبارات. وبغض النظر عن هذا أو ذاك، يبقى المطلوب، كخطوة أولى لنجاح معالجة المرضى، أن يتحدث الأطباء إلى مرضاهم بلغة وواضحة ومفهومة، وأن يُمارس الأطباء طب “الاهتمام الشامل” بمعالجة المريض.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض