في الكويت.. هل أنتم واعون؟

TT

هل أنتم واعون؟ تساءل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في خطابه، الذي أرى أنه تاريخي، عند افتتاح الدورة الأخيرة لمجلس الأمة للفصل التشريعي الثالث عشر، يوم الثلاثاء الماضي، وكان يقصد بهذا التساؤل: هل الجميع واعون بالأخطار التي تواجهها الكويت التي وصفها بإسهاب في ذلك الخطاب المليء بالأوجاع؟

الأخطار كما جاءت في النطق الأميري تتراوح بين أخطار الداخل والخارج. من الأخطار الداخلية، وأنا أنقل هنا من الخطاب نفسه (الظواهر الغريبة التي يتعرض لها مجتمعنا الكويتي، وقد تجاوزت كل الحدود، ومست الثوابت الوطنية؛ حيث غدت العصبيات القبلية والطائفية والفئوية البغيضة، تقود التوجهات السياسية، وأصبح العزف على أوتارها جسرا سريعا لتحقيق المكاسب الضيقة، على حساب مصلحة الوطن والمواطن).

وعاد الخطاب إلى الأخطار تلك نفسها قبل نهايته، مما يدل على الهواجس العميقة التي تسكن تفكير أمير الكويت حول هذا التشرذم الذي يفتك بالمجتمع. من الأخطار الخارجية عرج الخطاب على «ما يجري من حولنا من أحداث خطيرة، واضطرابات شديدة ومستجدات كبيرة ومشاكل اقتصادية عالمية كلها لها تأثير بالغ على أمننا الوطني».

من كان ينصت لذلك الخطاب بتفاصيله، سواء في قاعة عبد الله السالم - قاعة مجلس الأمة الكويتي - أو قطاعات الشعب الكويتي في مجمله خارج القاعة، لم يكن بغافل عن تلك المخاطر بذلك التوصيف، خاصة أنها يمكن أن تتزايد في السنة الأخيرة لحياة المجلس الحالي، التي كثيرا ما تعودنا أن يتصاعد فيها الصراع السياسي إلى قمته تذكيرا من البعض بوجوده؛ حيث يعيد تلميع صورته، عن طريق الصوت العالي من أجل العودة من جديد إلى المجلس.

ذلك التوصيف في الخطاب، سواء من جهة المخاطر أو ما يجب عمله مثل «نبذ الخلاف والالتفات للمشاريع، خاصة التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية» ذلك كله لم يكن ببعيد عن اهتمامات المواطن الكويتي العادي فهي خبزه ومرقه اليومي.

الإشكالية المطروحة ليس في وصف العلل وتشخيص الداء، المشكلة هي في البحث عن الدواء، وهو المسكوت عنه في ساحة الصراع السياسي الكويتي التي تستنزف طاقة المواطن وتوصله إلى محطة الإحباط.

لقد تجاوز خطاب الأمير أعضاء مجلس الأمة، وخاطب في جزء منه الكويتيين جميعا بقوله: «واجبكم الوطني ليس الإدلاء بأصواتكم، وإنما واجبكم هو متابعة أداء نوابكم ومساءلتهم عن مواقفهم، والشد على أيديهم إن أحسنوا، ومحاسبتهم إن أساءوا، وفقا لمعايير المصلحة الوطنية».

ما إن انتهى الخطاب حتى عاد كثيرون إلى تأكيد التنابذ في المجلس، فشهدت الجلسة الأولى سبابا وشتائم ينفر منها العاقل!

الموجع في الأمر أن كثيرين يعرفون الداء السياسي في الكويت، الذي يكاد يفتك بالنسيج الاجتماعي إلى غير رجعة، لكنهم يحجمون عن توصيف الدواء.

في مقال سبق ثلاثاء الافتتاح بيومين، كتب عبد الله بشارة، وهو رجل اختزن الكثير من العمل السياسي الفعال.. كتب في إطار تقريض الشيخ محمد صباح السالم بسبب خروجه من الوزارة، فقال نقلا عن وزير الخارجية المغادر: «نحن أهل الحكم مؤتمنون، أهل الكويت أمنونا أموالهم وأرواحهم، وهذه أمانة عظيمة وكبيرة منذ 300 عام، ونحن بإذن الله يمكننا أن نؤدي الأمانات، ويجب أن نكون جادين في الأمر.. هناك اعتقاد بوجود كفاءات واعتقاد بوجود فساد، وهذا يجب أن نعالجه بشكل جدي». هذا التلميح الذي ذهب إليه النص هو حديث القاصي والداني.

كما نشر الاقتصادي المعروف جاسم السعدون نصا آخر في يوم افتتاح الندوة البرلمانية كان عنوانه لافتا هو «الداء والدواء»، انتقد فيه ما سماه النهج في الإدارة العليا، وحذر فيه من لبننة الكويت من خلال إحياء الولاءات الصغرى، أو ما سماه الأمير في خطابه «العصبيات التي تقود توجهات السياسة»، إلا أن السعدون يصف الدواء بالقول:

«لو ركزنا فقط على مفهوم بناء الإدارة العليا سنحصل على الدواء. (أما) المطالبون بتغيير شخص أو بضعة أشخاص، أكاد أجزم بأن التغيير إذا اقتصر على الشخوص فسيكون الحصاد مرا، فالخطيئة في النهج أو المفهوم، وما سيحصل عليه البلد عندئذ هو ولادة أزمة أخرى، ربما أشد».

تآكل السلطة وشخصنة الشر، هو التلخيص الأشد لواقع الكويت اليوم، وهناك كثيرون، أنا منهم، يرى أن المعضلة في الكويت ليس تقديم الخطاب الوعظي، أو المفاهيم الغامضة، المشكلة الأساسية هي البناء القانوني الذي اعتمد على دستور عمره اليوم أكثر من نصف قرن، ومع ما يعرفه أي عاقل أن النصوص، خاصة التي يضعها الإنسان، تخدم لفترة وتأتي بعد ذلك ظروف وملابسات توجب النظر فيها وتطويرها. فالمجتمع منظومة متفاعلة من العلاقات والمصالح، وهو في صيرورة دائبة وتغير مستمر، ولا يمكن أن تكون اللحظة القائمة في الستينات هي اللحظة الدائمة حتى يومنا هذا، ذلك معاكس للمنطق ومناوئ للتطور. فسجن العمل السياسي الكويتي في نصوص أصبحت تحتاج إلى إعادة نظر، هو بمثابة سجن الذهنيات في سجون عالية الأسوار.

ولا يمكن أن يحاسب المواطن النائب من جهة أخرى، إلا من خلال مؤسسات أفرزت هذا النائب، تسمى اليوم «أحزابا»، فهي القادرة على تصفية المتقدمين واختيار الأفضل، وعلى محاسبة من يخرج عن الصف، كما يستطيع الجمهور، في وجود الأحزاب، أن يتعرف على منهجية «برنامج» تلك الأحزاب ومعاقبة من يعمل خلافها. أما الإصرار على أن نستمر في ممارسة شخصانية تقوم على العلاقات الشخصية، فقد ثبت بالدليل القاطع أنها عرجاء، وقد جلبت العصبيات والزعامات الاستزلامية، وأشكالا من التعصب الذميم.

لقد فهم البعض من خطاب سمو أمير الكويت أن هذه الدورة لن تكتمل، وربما هذا مطلب للبعض، وربما هو مخرج من الأزمة التي تشتكي الكويت من أوجاعها، إلا أن استمرار الحال على ما هو عليه يعرض الوضع السياسي في الكويت إلي الترهل، واضطراب الأقيسة، وتصبح كمن يحاول أن يبني ناطحة سحاب، على أسس صالحة لبناء بيت من دورين، فهل نحن واعون؟!

آخر الكلام:

كما يحدث في كل زمان ومكان، فإن الأتباع المتأخرين يهملون الأهداف، ويتمسكون بالأشكال!