هبنقة وشركاه

TT

غص أدب الظرف العربي بحكايات المغفلين. كان منهم مفعور الشنقيطي وأبو غبشان الخزاعي وعبد الله شيخ مهو وربيعة البكاء وأزهر الحمار وهبنقة الأحمق. ويمكنكم الآن أن تضيفوا للقائمة الطويلة من الحمقى والمغفلين اسم خالد القشطيني الذي صدق ما قاله «الوطنجية» وشارك في المظاهرات لإسقاط الحكم الملكي في العراق.

الجدير بالملاحظة أن حكايات الحمقى والمغفلين في الأدب العالمي تنطوي غالبا على حكمة وموعظة وعمق فلسفي. يتحول الأحمق فيها إلى فيلسوف ساخر من حيث لا يدرك، كما رأينا مثلا في نوادر الملا نصر الدين. بيد أن المغفلين في التراث العربي مغفلون حقا ولا شيء وراء حكاياتهم غير الحمق الخالص. الحكمة الوحيدة التي يمكننا استخلاصها منها أننا قوم ابتلى بعضنا حقا بالحمقى والمغفلين والجهلة والأغبياء. تراهم يتولون شؤوننا ويتصرفون بثرواتنا ويعبثون بنسائنا وينهبون أموالنا ثم يعدوننا بالمساواة وتحرير فلسطين واحترام حقوق الإنسان. لا أدري من هو الأحمق المغفل. هم أم نحن الذين نصدقهم؟

اشتهر من بين كل حمقانا التاريخيين هبنقة الأحمق. لم يفعل شيئا من ذلك ولكن رويت عنه شتى الطرائف المضحكة. وهبنقة الأحمق هو يزيد بن تروان. وضرب العرب مثلا بحمقه فقالوا: «أحمق من هبنقة».

قيل عنه إنه جعل في عنقه قلادة من الودع والعظام. سألوه عنها فقال: أخشى أن تضيع علي نفسي ففعلت ذلك حتى أعرفها.

ثم ذهب لينام. وأثناء نومه، أخذ أخوه تلك القلادة وتزين بها. وعندما استفاق هبنق من نومه، نظر فرأى القلادة في عنق أخيه فقال له: «أنت أنا. فمن أنا؟».

دارت حكايات أخرى بشأن هذه القلادة. اعتاد هبنقة على الذهاب للحمام دون أن يفارقها. وبعد أن استحم وخرج ليلبس ثيابه، لم يجد شيئا من ثيابه. فقد تآمر القوم على مداعبته بسرقتها. لم يعرف ماذا يفعل. ولكنه وجد القلادة فعلقها في رقبته وأطل عليهم عاريا وقال: «لا أبغي اتهام أحد بسرقة ثيابي. أو أشكو من ضياعها. ولكنني أسألكم بالله، أيجوز أنني جئت للحمام بهذه الهيئة؟».

قضى هبنقة حياته أثناء صباه يشتغل راعيا للغنم. لاحظ القوم أنه كان يسوق الخرفان السمينة الجيدة للمرعى الغني بالخضرة. ثم يسوق الخرفان العجاف إلى الأرض الجدباء من الخضرة. تعجبوا من فعله فسألوه فأجاب: «لا أصلح ما أفسده الله».

شوهد ينادي في السوق «أضعت دينارا فمن يعثر عليه ويجيئني به أدفع له دينارين». ضحكوا عليه وسألوه فقال: «أريد حلاوة العثور على الضائع!».

روت العرب فقالت إن نزاعا نشب بين قبيلتين، بني طفاوة وبني راسب. كل يدعي نسب ولد إليهم. فاحتكموا إليه. فقال: ارموا الصبي في النهر، فإن طفا وعام فهو من بني طفاوة، وإن رسب وغرق فهو من بني راسب.

من الواضح أن معظم هذه الروايات، وربما كلها، موضوعة. ولكنها تدل على وجود شخص أو أشخاص متخلفين أو معاقين ضحك القوم عليهم كمغفلين بدلا من السعي لمساعدتهم وإعدادهم.