ملك المصافحات يتحدث

TT

يوم السبت الماضي - أي (أول من أمس) - تحدثنا عما يروى أن الرسول الكريم سبق له أن صافح بعض النساء، وهذا إن حدث فإنما هو شيء طبيعي، لأنه عليه الصلاة والسلام إنما بعث للبشرية جميعا رجالا ونساءً.

غير أن البعض من الرجال أو النساء على حد سواء يتحفظون على مبدأ المصافحة، وبعض هؤلاء، وليس كلهم، ليس لديهم ثقة في نفوسهم، وبعضهم يخافون أن تثار غرائزهم إذا صافحوا، وكأن هناك سلكا أو تيارا كهربائيا يسري ويتفجر بالغرائز مع أول تماس بين كف وكف، بل وحتى بين إصبع وإصبع.

عن نفسي أقول إنني صافحت في حياتي ليس العشرات ولا المئات، قد يكون الآلاف من النساء، صافحتهن ولم تتحرك غريزتي (قيد أنملة)، فهل معنى ذلك أنني (معطوب)؟!

أستطيع أن أقول بدون مبالغة: إنني ملك المصافحات، فحياتي كلها أمشي وأصافح اللي يسوى واللي ما يسوى من كل الملل والألوان والأجناس، لأنني رجل سلام، والمصافحة تعني عندي المزيد من الصداقة والمودة والإخاء. غير أن هناك (مطبات) قد تعتور طريق الإنسان دون أي توقع، مثل ذلك الموقف غير المشرف الذي حصل لي وأنا لا أستحقه، فأنتم تعرفون أدبي الجم، وعدم (بجاحتي) المفرطة.

ففي وقت من الأوقات كنت خارج البلاد، وذهبت إلى محفل كبير، وما إن دخلت إلى القاعة الكبيرة حتى وجدت أصحاب الدعوة واقفين رجالا ونساء في صف طويل يستقبلون المعازيم.

وبدأت بمصافحتهم الواحد تلو الآخر على طريقتي الخاصة النشيطة، وعندما وقفت أمام امرأة محجبة وطويلة وعريضة كأنها (بترة كونكريت)، ومددت لها يدي، وإذا بالمرأة جامدة لا تتزحزح، حركت لها يدي وفرشخت لها بأصابعي الخمسة، ونظرت لها بتوسل علّها تحن وتعطف دون جدوى، وجابهتني هي بالمقابل بنظرة قاسية وكأنها تقول لي: مش ممكن، دا بُعدك، واستمرت يدي (متطوطحة) بالهواء ما لا يقل عن دقيقة كاملة خلتها أكثر من ساعة، وبعدها أنزلتها رويدا رويدا وأنا أنسحب للخلف بعد أن احمر وجهي وتضخمت أرنبة أنفي من شدة الخجل، ولم أكمل بقية المصافحات، واتجهت إلى أقرب طاولة وجلست مع الجالسين، غير أن الغضب والحقد بدأ يتملكني على تلك المرأة التي (جابت مناخيري الأرض) فأصبح لا همّ لي إلاّ أن أراقبها من بعيد، وتفاجأت بضخامة يدها التي لا يقل حجمها عن حجم يد الملاكم (محمد علي كلاي)، فحمدت ربي أنها لم تصافحني، أو تلاكمني.

والغريب أنني شاهدت زوجها في تلك المناسبة فإذا به رجل (سلتوح معصعص) لا يزيد وزنه على (20 في المائة) من وزنها، فأشفقت عليه، وحمدت الله على السلامة.

ومع أن المصافحات أمر جيد إلاّ أنها أحيانا لا تخلو من الغثاثة، ولكي أضرب لكم مثلا بذلك، فقد دخلت يوما على مجموعة من الأشخاص الذين أعرفهم، وكانوا يتعشون على سفرة ممدودة على الأرض، بعضهم انتهى من الأكل وبعضهم ما زال يأكل، وبحكم أنهم يعرفون غرامي بالمصافحات صاح بي أحد الجالسين قائلا: لا سلام على الطعام، تركتهم واتجهت للواقفين وبدأت بمصافحتهم، غير أن أحدهم خبأ يده خلف ظهره ورفض مصافحتي، وتذكرت على الفور المرأة (الملاكمة)، فغضبت وأخذت أكيل له الاتهامات، وعندما ضاق ذرعا بكلامي ما كان منه إلاّ أن يخطف يدي بيده ويفركها ويلغوصها، وإذا بيده ممتلئة بالزفر والدسم وبقايا الأرز، حيث إنه كان يأكل بيده، ولم يغسلها بعد، وكان هذا أسوأ إنسان غير (حضاري) أصافحه.

[email protected]