الأكثر مالا الأكثر حظا في الانتخابات

TT

تنادت الأحزاب المهزومة في الانتخابات التونسية تتهم الفائزة، مثل حزب النهضة، بحصولهم على أموال مكنتهم من الفوز. وهي التهمة نفسها التي تساق ضد الأحزاب الإخوانية والسلفية والعلمانية في مصر. وبدون الخوض في تفاصيل الاتهامات فإنها اتهامات قد تكون صحيحة، وحتى لا نضع رؤوسنا في الرمال فإن الانتخابات مثل الزيجات تكاليفها عالية ومهورها غالية.

فمن يملك المال الوفير، والتنظيم الحسن، والبرنامج الجذاب فإن حظه في الفوز بالانتخابات أكثر من بقية المجتهدين الصادقين. هذه حقيقة موجودة في كل انتخابات في العالم، وليس فقط في العالم العربي. والمال سيحسم الانتخابات المصرية، كما حسم الانتخابات التونسية، وبالمال ستحسم الانتخابات اللاحقة.

ومع أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس قامت بواجباتها الأساسية، بما في ذلك منح الأحزاب نحو ثمانية ملايين دولار للدعاية الانتخابية، إلا أن أكثر من هذا المبلغ بكثير يبدو أنه أنفق تحت الطاولة، كما يتضح من حركة الأحزاب ونشاطاتها. لكن من الصعوبة على الهيئة العليا أن تعلم كم من المال دفعته جهات تونسية بطريقة غير قانونية، مثلا جماعات محسوبة على النظام السابق، أو أموال دفعتها حكومات أو جماعات أجنبية. فهي لا تملك وسائل الرقابة وليس لها أذرع أمنية، وبالتالي كل ما يمكن أن تستطيع فعله هو أن تضبط مرشحا غبيا تلقى الدعم بطريقة واضحة.

في الولايات المتحدة، وفي سبيل ردع المرشحين ضعاف النفوس، وهم ليسوا بالقليلين، لم تكتف الأجهزة الأمنية الرقابية فقط برصد الحسابات والتلصص على الاجتماعات المغلقة، بل أيضا دبرت عمليات تمويل مزورة لتضبط من عنده استعداد لاستقبال الأموال القذرة، وكانت إحدى العمليات المفبركة يظهر فيها عملاء المباحث الفيدرالية بلباس عربي ومعهم حقيبة مليئة بالدولارات وكانوا دبروا كمينا لأحد المرشحين الذي أخذ المال من دون أن يدري أنها مكيدة مصورة.

إن الأحزاب التي تريد الفوز عليها أن تخطط طويلا للحصول على تمويل مالي كبير من داخل مجتمعها وبطرق مشروعة، وفي النهاية من يملك مالا أكثر وتنظيما أفضل ولغة معسولة، حظه في الفوز أكبر من البقية. إنها ليست الوعود الصادقة بل الكثير من الأموال الضرورية لتوظيف جيش من المختصين لتسويق المرشحين وفيهم وجهاء وفنانون، والإنفاق على الإعلانات في التلفزيونات والشوارع، وإقامة المآدب، وتقديم المساعدات، واستمالة الجماعات المختلفة. والذي يجعل جماعة مثل الإخوان المسلمين قادرة على الفوز، ليس قدرتها على بيع الناخبين الوعود الدينية في الجنة وعتقهم من النار، بل أيضا اهتمامها بجمع الأموال بشكل مستمر وإنفاقها في الخدمات الاجتماعية. وهي، بحكم أنها صاحبة مشروع آيديولوجي، أقل فسادا من بقية الأحزاب التي يسرق التبرعات القائمون عليها.

في الولايات المتحدة تنفق الأحزاب بكرم كبير لأن القانون يتعهد بأنه سيرد لها ما صرفته إن فازت، ويجوز للأحزاب جمع أموال ضخمة طالما أنها شفافة ويمكن مراجعة كل دولار ومصدره، طبعا ضمن قوانين تحدد الكم لكل متبرع. وعلى الدول العربية التي تشعر، وهي محقة، بأن المال قادر على شراء أصوات الناس ثم الاستيلاء على الحكم، أن تخصص مبالغ أكبر للأحزاب. فثمانية ملايين دولار على تنظيم وترويج أحد عشر ألف مرشح في تونس، يعني أن من يجمع ثمانية ملايين دولار لوحده حظه أكثر من كل المرشحين مجتمعين. للمنظمين وسائل من بينها اختصار عدد المسموح لهم بالترشح، ومضاعفة المبالغ المدفوعة من الدولة لتنفق بشكل موثق على الحملات الانتخابية. وبإمكان الدول العربية أن تستعين بمن سبقها من الدول الناجحة في إدارة عملياتها الانتخابية وضبط مصادر الأموال بدل تقاذف التهم.

[email protected]