هل بدأ العد التنازلي للمواجهة بين إيران والغرب

TT

في بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قام بعض المتظاهرين الشيعة في قرية العوامية بالمنطقة الشرقية للمملكة السعودية، بمهاجمة رجال الأمن مستخدمين البنادق وقنابل المولوتوف الحارقة. وبعد إجراء التحقيق في سبب هذه الأحداث غير المعتادة في المملكة، توصلت وزارة الداخلية إلى وجود دولة خارجية وراءها، تهدف إلى زعزعة الاستقرار والأمن في البلاد. وبعد نحو أسبوعين من هذا الحادث، أعلن وزير العدل الأميركي الكشف عن مؤامرة لاغتيال عادل الجبير - سفير المملكة السعودية في واشنطن - لها صلة بأجهزة الأمن الإيرانية. وتم رسميا توجيه التهمة لرجلين بشبهة الضلوع في المؤامرة، أحدهما تم القبض عليه في الولايات المتحدة والآخر موجود في إيران.

لماذا تحاول إيران زعزعة الاستقرار في المملكة واغتيال السفير السعودي في واشنطن؟

منذ قيام الثورة الخمينية في 1979، عملت إيران على إحياء مشاعر القومية الفارسية القديمة، معتبرة أن الأرض العربية التي تقع على الجانب الغربي للخليج - والتي تحتوي على أكثر من نصف احتياطي النفط في العالم - كانت جزءا من أراضيها التاريخية. وشهد هذا العام منذ بدايته توترا ملحوظا في العلاقات بين قادة الجمهورية الإسلامية ودول الخليج المجاورة، وخاصة المملكة السعودية. فبعد تدخلها الصريح في الشؤون الداخلية للبحرين وتشجيعها للفتنة الطائفية فيها، تعرضت البعثة الدبلوماسية السعودية في طهران إلى اعتداءات من قبل بعض المناصرين للنظام، ووجهت إيران تهديدا للرياض والإمارات طالبة سحب قوات درع الجزيرة من البحرين. ثم أعلنت الكويت كشفها عن تسع شبكات تجسس إيرانية تجمع معلومات متعلقة بالأمن القومي وتخطط للقيام بأعمال تخريبية في البلاد، وتبين من التحقيق أن شبكات التجسس الإيرانية تنتشر في جميع دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي سبيل تحقيق سيطرتها، كانت إيران تستعجل إنتاج سلاح نووي يمكنها من إخضاع المنطقة العربية لسيطرتها، دون أن تتمكن أميركا وحلفاؤها من مواجهتها. لكن القيادة الإيرانية بدأت مؤخرا تشعر بالإحباط وتخشى من فشل خططها، بسبب التطورات التي لم تتوقعها، فراحت تستعجل الأحداث. فبينما يقترب نظام الأسد في سوريا من ساعة الحسم والنهاية، يواجه المشروع النووي الإيراني المشاكل الواحدة تلو الأخرى. فرغم كثرة ما لديها من مخزون من اليورانيوم المخصب والصواريخ متوسطة المدى، لا تزال إيران غير قادرة على امتلاك القدرات التكنولوجية التي تمكنها من صنع الأسلحة النووية. فقد تعرض البرنامج النووي للعديد من الانتكاسات في الآونة الأخيرة، من بينها مقتل أربعة من العلماء النوويين وتعطل بعض أجهزة الكومبيوتر عن العمل، لإصابتها بفيروس «ستك سنت».

وتخشى القيادة الإيرانية من أن التأخر في ساعة الحسم مع العرب، قد يهدد بسقوط النظام الإيراني نفسه. فبعد ثورة الشعب الإيراني عند إعلان نجاح أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية عام 2009، تتوقع القيادة الإيرانية حدوث صراع داخلي في إيران عند إجراء انتخاباتها التشريعية في مارس (آذار) القادم، استعدادا لاختيار رئيس جديد للجمهورية الإسلامية في 2013. عندئذ قد تنتقل عدوى الربيع العربي إلى إيران، ويصبح نظام الملالي في طهران مهددا بنفس مصير القيادة البعثية في سوريا. فبفضل تحالفها مع سوريا، تمكنت إيران من اختراق المنطقة العربية تحت شعار المقاومة، ومد نفوذها في لبنان عن طريق حزب الله، وإلى فلسطين عن طريق منظمة حماس، وصارت طهران تتحكم في القرار العربي الرسمي والشعبي. ومع تزايد احتمال سقوط النظام السوري، بدأت القيادة الإيرانية تشعر بخيبة الأمل واحتمال ضياع فرصتها لتحقيق السيطرة على المنطقة العربية، فراحت تستعجل المواجهة الآن قبل فوات الأوان. ووصل الخوف من فقدان إيران للحليف العربي أن قام الرئيس الإيراني بزيارة إلى السودان، وبعد أن قال الرئيس السوداني عمر البشير إن السودان يدعم البرنامج النووي الإيراني، أعلن أحمدي نجاد أن «إيران والسودان سيقفان معا دفاعا عن العالم الإسلامي.. في وجه الضغوط الغربية». ويبدو أن هذا الإعلان لم يسمعه أحد، وكان كما يقول المثل «كمن يؤذن في مالطة»، حيث إن الخرطوم تقع في قلب أفريقيا بينما تقع دمشق في قلب المنطقة العربية. كما شعرت طهران بتأثير الحصار الذي فرضه الغرب عليها، وفي بداية سبتمبر (أيلول) الماضي أعلن البنتاغون أن منظومة رادار الإنذار المبكر للدفاع المضاد للصواريخ التابع لحلف الناتو، سيتم نصبه بالقرب من الحدود الإيرانية في تركيا، ويصبح قيد العمل مع نهاية العام الحالي، مما يمكنه رصد تحركات الطيران والصواريخ في جميع أنحاء إيران. كما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما عن سحب ما تبقى من القوات الأميركية في العراق - بعيدا عن إيران - في نفس تاريخ تشغيل المنظومة الرادارية في تركيا، قبل نهاية هذا العام.

إزاء هذه التطورات، يبدو أن القيادة الإيرانية راحت تستعجل المواجهة مع الغرب، وتحاول إشعال المنطقة العربية في الخليج كي تتمكن من الحصول على فرصة تسمح لها بالتدخل. فالقيادة الإيرانية تعتقد أن الأزمة المالية الطاحنة التي يمر بها العالم الغربي حاليا، لن تسمح للولايات المتحدة وحلفائها بتحمل تكاليف مواجهة ساخنة معها. وبحسب تصريحات وزير الدفاع البريطاني، قامت إيران مؤخرا بعمل 3 تجارب سرية على الأقل على صواريخ باليستية متوسطة المدى، يمكنها حمل رؤوس نووية. كما تحدث يوكيا أمانو، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن بيانات تشير إلى أن إيران تعمل على إنتاج رؤوس نووية. وقالت السيناتورة ديان فاينشتاين، رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، إن الولايات المتحدة وإيران تسيران على طريق التصادم ما لم تغير إيران سياستها.

فيا ترى هل يمكن اعتبار محاولة طهران زعزعة الاستقرار في السعودية ومحاولة اغتيال سفير المملكة في واشنطن، بمثابة بداية للمعركة؟