حبيبي.. أنيس!

TT

قبل أن أسطر حرفا واحدا في هذه المساحة أقول: رحم الله ضيف هذه الزاوية على مدار سنوات طويلة أستاذي الراحل أنيس منصور.

ماذا يمكن أن نقول عن رجل لديه عقل فيلسوف، وقلب طفل، ومعدة عصفورة، وجسد شيخ، وأحلام مراهق، وزهد الصالحين؟!

عشق الحرف مقروءا ومكتوبا. أحب الناس خيرهم وشرهم. طاف العالم شرقه وغربه. كتب للناس نخبتهم وعامتهم. عاش حياته برفقة الصعلوك والأمير. حاور المئات؛ من الدالاي لاما إلى مارلين مونرو، رافق العمالقة من عبد الرحمن بدوي إلى طه حسين حتى استقر في صالون العقاد.

وإذا كان البعض يؤمن بأن وفاة الأستاذ أنيس الجسدية قد أعلنت منذ أيام، فإن الذين يعرفون الرجل جيدا يعرفون أنه مات معنويا ونفسيا منذ أن ألم المرض الشديد بشريكة عمره السيدة رجاء.

توقفت حياة كاتبنا الكبير منذ ذلك التاريخ. كان يأكل ويشرب ويكتب وينام ويتحدث من قبيل «تمضية الوقت».

وأذكر أنه قال لي في باريس متأثرا بما ألم بالسيدة رجاء: «هيه كل حاجة في حياتي. أنا موش عارف أنا عايش ليه»؟

الآن أتذكره وأنا في حضرة مساحة الكتابة اليومية التي كان يشغلها على مدار سنوات ببراعة واقتدار.

وأستطيع أن أؤكد أنني لن أستطيع أن أكون أنيس منصور آخر، فلا أحد مثله، لأن الزمن لم يأت إلا بأنيس منصور واحد له تلك الخبرة الموسوعية النادرة. الأمر الذي أستطيع أن أؤكده لقراء هذه الزاوية الكرام، وللأستاذ طارق الحميد رئيس التحرير، أنني سأسعى جاهدا إلى أن أكتب ما أؤمن به، مدركا أنني لا أمتلك الامتياز الحصري للصواب أو الحق أو الحقيقة. أعدكم بأنني لن أكتب ما يرضي الغير ولكن ما يرضي ضميري أمام ربي.

وقد لا يكون بعض ما أكتبه، في الزمن الصعب الذي نحياه، له الشعبية المطلوبة، لأنه لا يدغدغ مشاعر بعض الحكام أو بعض المحكومين. الأمر المؤكد أنني أحمل معي خبرة سنوات العمل في هذه الدار الكريمة. تشرفت بالعمل في هذه الدار المحترمة منذ عام 1977 محررا، ثم مديرا لمكتبها في القاهرة، ثم مديرا لمكتب مطبوعاتها في واشنطن، فرئيسا لتحرير «سيدتي»، ثم رئيسا لتحرير «المجلة». وكتبت في هذه الجريدة الغراء عمودا يوميا على مدار 7 سنوات، وكنت كبيرا لمراسلي كل المطبوعات.

حينما أعود إلى الكتابة اليومية، أعود إلى بيتي، إلى داري التي عملت فيها من الدور السفلي إلى الدور العلوي.

إن أخطأت صوبوني، وإن اختلفت معكم خالفوني، فلا شيء غير قابل للنقاش، ولا إنسان فوق المساءلة.