كرت الربيع العربي

TT

في عالم أصبح فيه تداخل الأحداث بعضها ببعض مسألة متوقعة وطبيعية، لن نفاجأ بتداعيات أحداث الشرق الأوسط عموما والربيع العربي منه تحديدا على السياسة الغربية، وتحديدا على السنة الانتخابية في كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا. الوضع الاقتصادي لا يزال مترديا وسلبيا في البلدين، وبالتالي هو الذي يسيطر على ذهنية الناخب فيهما، ومحاولات باراك أوباما ونيكولا ساركوزي باءت بالفشل لتحريك الاقتصاد وإحداث أي نقلة نوعية فيه.

وعليه، كان التركيز على أحداث الربيع العربي واستثمار عوائد النتائج كانتصارات مدوية تسجل في ملف الأمن القومي لكل من البلدين. فسقوط طغاة ومتطرفين من أمثال حسني مبارك وزين العابدين ومعمر القذافي وأسامة بن لادن وأنور العولقي يمكن الرئيسين من ترويج نفسيهما كحراس للديمقراطية والأمن العالمي، ويشجعهما على مواصلة حصاد المزيد، وهو الذي يترجم التصعيد المتوقع ضد نظام بشار الأسد لكي يكون سقوطه هو الجائزة الكبرى للبرنامج الانتخابي لكل من باراك أوباما ونيكولا ساركوزي قبل الحسم الانتخابي.

المرشحون الجمهوريون المنافسون لأوباما غير قادرين على الرد على أوباما في ملف الأمن القومي والإنجازات التي يحققها، وخصوصا حين يضاف إليها الانسحاب من العراق، وتقليص أفراد الجيش في أفغانستان، وهما مطلبان شعبيان في أميركا، وكذلك حين النظر في استفتاءات الرأي للجمهوريين لا يوجد أي دلالة على بروز قيادي بينهم قادر على حسم المواجهة ضد أوباما، وخصوصا أن من يتصدر الترشيحات الآن هو شخصية مجهولة اسمها هيرمن كين، بلا سابق خبرة سياسية، وأهم إنجازاته أنه كان مديرا ناجحا لسلسلة مطاعم بيتزا، وقبلها لسلسلة مطاعم هامبرغر، وبعد ذلك كان مصرفيا لفترة بسيطة، وهو رجل بسيط وشعبي، ويتحدث بأسلوب سهل، وقدم خطة ضرائب سلسة ومستساغة بطريقة غير مسبوقة، ولكن يشك في قدرته على الفوز بالترشيح العام للحزب لهشاشة قدرته التمويلية لحملته، وعدم اقتناع زعماء الحزب به حتى الآن، وأوباما يواجه موجات متصاعدة ومتفرقة من الاحتجاجات المناهضة للجشع في عالم الأعمال وشركاته ورؤسائه التنفيذيين، حيث إن المتظاهرين يعتبرون هذه الشخصيات رمزا لكل ما هو سيئ في الغرب الرأسمالي اليوم، وأوباما يحاول استغلال هذا الوضع جيدا، ساعده في ذلك تطور ضعيف في معدلات العمل، وانخفاض لمعدل البطالة، وتحسن أسواق البورصة من جراء ردود الفعل الإيجابية على اتفاق منطقة اليورو، ومواجهة ديون اليونان الهائلة، والموافقة على خطة تقشفية، وحسم كبير لديونها، وهو نفس السبب الذي أجل قليلا التخفيض الائتماني المنتظر لفرنسا، أسوة بما حصل لليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا من قبل، ولكن الضرر الاقتصادي الكبير أصاب أوروبا حتما بأضرار كبيرة، ولا بد أن ينعكس بأشكاله المختلفة على العالم.

وعليه، فإن الموضوع الاقتصادي مقلق بالنسبة لأوباما وساركوزي، مما يعني أنهما سيبحثان عن مزيد من الانتصارات في مجال الأمن القومي، لتذكير الناخب بأهميتهما كقادة فاعلين على الساحة الدولية، وهي المسألة التي جعلت المرشح الجمهوري في أميركا ميت رومني يستعين بوليد فارس كمستشار للأمن القومي في حملته الانتخابية، وتحديدا للسياسة الخارجية، ووليد فارس كان ولا يزال بوقا متطرفا للمحافظين الجدد، وهو لبناني ماروني كاره للعرب والمسلمين، يبذل قصارى جهده لإرضاء الخط اليميني الصهيوني الجديد، وبشكل رخيص، وواجهته شخصيا في حلقتين تلفزيونيتين كادتا تتسببان لي بالقيء الشديد بسبب أسلوبه وفكره.

الأمن القومي والربيع العربي سيكونان مادة دسمة في الانتخابات الأميركية والفرنسية بعد أن كان من المفروض أن يكون الاقتصاد هو البطل الوحيد لها، ولكن كل مرشح يلعب بكافة الكروت التي بين يديه، ويبدو أن كرت الربيع العربي مغر جدا، وخصوصا في ظل ضعف المنافسين.

[email protected]