الجرذي البطل

TT

من أقوال مكيافيلي الحكيمة، قوله بأن الحاكم الطاغية يبدأ مسيرته كالثعلب، وعندما يستقر الأمر بيده ينقلب إلى ذئب، وينتهي بموتته ككلب. نستطيع أن نصحح كلمته الآن فنقول، لا بل يموت موتة الجرذي. ونقول ذلك بالطبع من وحي ما حصل للقذافي. فهو، كالجرذان، عثروا عليه في أحد مجاري المياه القذرة، وهو المكان المعتاد الذي تختبئ فيه الجرذان. وسحبوه وهو يوصوص كالجرذان ويتوسل: «حرام عليكم!».. بطل آخر من أبطالنا الورقيين يذكرنا بنهاية بطل آخر عثروا عليه، في بالوعة تحت الأرض. ولكن صدام حسين مات، نوعا ما، موتة الأبطال وصعد المشنقة وهو يتلو الشهادتين ويتذكر كلمة بطل عراقي آخر، هو سعيد قزاز: «عندما سأصعد المشنقة سيكون تحت قدمي أناس لا يستحقون الحياة»..

ميتة أليمة لكليهما؛ كلا بل هي ميتة لنا جميعا، أبناء هذه الأمة العربية. كيف تحمله القوم حاكما عليهم لاثنتين وأربعين سنة.. يصفقون له ويطيعون أوامره الخرقاء. نحن نعرف أن حكامنا الثوريين لا يعرفون كيف يحكمون، ولا كيف يعيشون. ولكن أما كان من الأولى لهم أن يتعلموا على الأقل كيف يموتون؟ وما دام أنه ما زال بيننا عدد من هؤلاء الثوريين، أرى من الضروري أن نعلمهم على الأقل كيف يموتون. هناك أولا نابليون؛ حالما أدرك في معركة واترلو أنه خسر المعركة، سحب سيفه وسار قدما نحو خطوط الجيش البريطاني وقال خذوني إلى قائدكم. اقتادوه إلى الجنرال ولنغتن فحياه وهنأه بالنصر وسلم سيفه إليه. احترمه الإنجليز فتركوه يموت معززا في منفاه في جزيرة سانت هيلانة.

وهناك هتلر؛ حالما أدرك أنه خسر معركة برلين، عقد الزواج على عشيقته إيفا براون لتموت معه بالحلال لا بالحرام. شربا السم وماتا متعانقين بعد أن أوصى بحرق جثتيهما فلا يبقى منهما أي أثر. وكان قد أمر بإطلاق الرصاص على كلبه لئلا يذوق طعم الأسر بيد العدو.

وكان هناك يوليوس قيصر.. تآمر أعضاء مجلس الشيوخ عليه فانهالوا عليه بخناجرهم. وكان بينهم صديقه الحبيب بروتس شاهرا خنجره. قال له: «حتى أنت يا بروتس! إذن فليمت القيصر». كشف له صدره ليطعنه الطعنة القاضية.

وعندما شعر كاسيوس، القائد الروماني، بهزيمة جيشه أمام جيش مارك أنطوني، سحب خنجره من حزامه وسلمه لحارسه وقال له أمسك به جيدا لألقي بنفسي عليه. فعل ذلك وجعل الخنجر يجتاح صدره وهو يتمتم: «كاسيوس ينهي كاسيوس»!

هكذا يموت الأبطال.. وأين كل ذلك من البطل الجرذي الذي مسكوه من ذيله في مجرى قاذورات يوصوص ويتوسل: «حرام عليكم!».. خلوني أعيش! أنا صاحب عيال والنبي! حرام عيكم! مات ولم ينطق حتى بالشهادتين. أخذوا جثته وخزنوها مضرجة بدم الجرذان مع لحوم الخرفان والسخول في ثلاجة حفظ اللحوم لجزار في السوق.