لماذا وكيف تنقذ الصين أوروبا؟

TT

أوروبا تغرق وتحتاج لطوق نجاة. أثمرت سلسلة من الاجتماعات الماراثونية عن مجموعة جديدة من المقترحات، لكن ما تعتمد عليه هو المال - بل الكثير منه، ربما تريليونات الدولارات - لإنقاذ اليونان والنظام المصرفي الأوروبي والحيلولة دون انتقال تأثير الأزمة المالية لإسبانيا وإيطاليا، بل وحتى فرنسا، الأمر الذي من شأنه أن يدمر منطقة اليورو مثلما نعرفها. والسؤال هو: ما الجهة التي يمكننا اللجوء إليها للحصول على الدعم؟ الإجابة واضحة: الصين.

بالفعل، ربما يمثل اتصال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هذا الأسبوع بالرئيس الصيني هو جينتاو، سعيا لدعم آلية الاستقرار المالي الأوروبي، تغييرا محوريا في المشهد العالمي ممثلا في تعزيز الهيمنة الاقتصادية للصين على حساب القوتين الرئيسيتين الحاليتين؛ الولايات المتحدة وأوروبا.

وعلى الرغم من الاتفاق بين قادة أوروبا، يوم الخميس، على إعادة رسملة البنوك الأوروبية، فإن الحقيقة هي أن أوروبا لا يمكنها جمع هذا المبلغ الضخم وحدها. وجزئيا، يرجع هذا إلى أن معظم الدول تعاني من أزمات مالية، حتى ألمانيا، في ظل نسبة دين إلى إجمالي ناتج محلي تربو على 80 في المائة، على نحو يجعلها على وشك أن تفقد قدرتها على كتابة الشيكات. ولكن يرجع هذا أيضا إلى أن ألمانيا تبدو رافضة لتحويل مصادر، إما بشكل مباشر عبر وسائل مالية أو بشكل غير مباشر من خلال البنك المركزي الأوروبي.

ومع ابتعاد الولايات المتحدة جانبا بالأساس بسبب ضعف موقفها الاقتصادي والمالي، فليس من المفاجئ أن جهود الإنقاذ تتجه إلى الصين. فالصين وحدها، بما تملك من احتياطيات نقدية قيمتها 3 تريليونات دولار، هي القادرة على إمداد أوروبا بكم ضخم من أموال الإنقاذ التي هي في أمس الحاجة إليها.

ما الذي يجب أن تفعله الصين؟ حتى الآن، فضلت أن لا تكون ممولا فعليا للدول الأوروبية التي تهددها الأزمة المالية. لكن هذا الموقف بات عرضة للتغيير؛ فالصين هي المصدر الرئيسي في العالم، وسيكون تفادي انهيار اقتصادي في الدول المستوردة المثقلة بالديون في أوروبا في صالح الصين بدرجة كبيرة.

لكن الصين لديها خيار، فيمكنها مساعدة أوروبا بأي من وسيلتين؛ إما بدعم آلية الاستقرار، مثلما طلبت أوروبا، أو بضمان شراء سندات إيطالية وإسبانية بسعر يحافظ على الموارد المالية لهذه الدول (مثلما يفترض أن يفعل البنك المركزي الأوروبي)، أو يمكنها أن تمد يد العون بإمداد صندوق النقد الدولي بمزيد من الأموال لإقراض أوروبا بالتبعية.

من منظور الصين، يمكنها الاستفادة من استغلال سلطتها من أجل الحصول على مكاسب مباشرة وملموسة. على سبيل المثال، يمكنها أن تطالب بمكانة اقتصادية في السوق في أوروبا، الأمر الذي من شأنه أن يقلل من نطاق الإجراءات الوقائية ضد السلع الصينية التي تخترق السوق الأوروبية، كما يمكنها أيضا أن تسعى لشراء شركات في دول متعثرة بناء على شروط مناسبة.

وتعتبر المخاطر التي ينطوي عليها هذا الأسلوب الثنائي ضخمة؛ فمن المتوقع أن توقع الصين في شرك السياسات الأوروبية، وعلى المستوى المحلي، ستعرض الحكومة للاتهام بالتحيز للاستثمارات الأجنبية على حساب الاستثمار في دولة ما زالت فقيرة ولديها متطلبات تطوير ضخمة وتواجهها تحديات جسام.

ومن شأن مساعدة أوروبا من خلال دعم صندوق النقد الدولي وزيادة القروض أن تجنب الصين بعض الخسائر السياسية، خاصة لأن الصين لن تتورط بشكل مباشر في السياسات والمشكلات الأوروبية. لكن سيتعين على الصين تلقي تعويض ضخم مقابل الموارد الإضافية التي ستزود بها أوروبا.

لن ترضى الصين بأقل من إصلاحات شاملة في هيكل إدارة صندوق النقد الدولي، بحيث تعكس الحقائق الاقتصادية الحالية. ولا يمكن أن يكون إصلاح هيكل الإدارة متعلقا فقط بجنسية مدير صندوق النقد الدولي، وإنما يجب أن يرتبط بالأساس بمن سيكون له أعلى صوت ويتمتع بأقوى سلطة في هذا العالم الجديد.

واليوم، تملك الولايات المتحدة وأوروبا حق الفيتو على قرارات صندوق النقد الدولي نظرا لأن القرارات المهمة تتطلب حصة نسبتها 85 في المائة من الأصوات. ولو قدر أن تصبح الصين الممول الرئيسي لصندوق النقد الدولي، فيجب أن تملك الصين حق الفيتو بناء على شروط مماثلة لتلك التي تتمتع بها الولايات المتحدة. ويجب تقليل الهيمنة الأوروبية على نحو يتماشى مع تحولها من دائن إلى مقترض محتمل. ويجب أن تصر الصين على ضرورة عدم تمتع الدول التي تطالب بالحصول على أموال إنقاذ بحق الفيتو في مؤسسة مالية.

وحينها، يمكن للحكومة الصينية أن تعلن بأعلى صوتها عن إنجاز وطني؛ التمتع بمكانة مماثلة لتلك التي تتمتع بها الولايات المتحدة، ومكانة أكبر من مكانة أوروبا، في إدارة أكبر المؤسسات المالية في العالم، كمقابل لاستثمار أموالها بالخارج.

ستكون هذه المطالب مشروعة وسيرحب بها العالم لأنها ستقيد الصين بشكل أقوى بنظام متعدد الأطراف، وستجعل لها نصيبا فيه. ويجب أن يتذكر المعارضون في الولايات المتحدة وأوروبا لهذه التغييرات أن البدائل أسوأ. فاستغلال الصين سلطتها بشكل ثنائي من أجل كسب امتيازات سياسية محدودة سيكون نذير شؤم بالنسبة للمستقبل حينما تصبح الصين قوة اقتصادية أكبر وأقوى. وفي حالة رفض الصين الاستجابة لمطالبة أوروبا، فإنها يمكن أن تؤدي بها إلى الانزلاق لمنعطف خطير. فالأوروبيون لم يعد لديهم خيارات؛ ولا يمكن أن يكون للمدينين حق الاختيار.

* زميل رفيع المستوى

بمعهد بيترسون

للاقتصاديات الدولية..

وهو مؤلف كتاب «الكسوف: العيش في ظل الهيمنة الاقتصادية للصين».