فلتسقط الشوفينية الصينية

TT

جميع رسائل البريد - وهي غير قليلة ذلك النهار - متشابهة حتى تكاد تكون واحدة، ما من أحد من المراسلين أعجب بحكاية الكاتبة الصينية إيمي شوا. استنكار تام للشوفينية الصينية والتعصب والانغلاق. مراسل يقول إن إيمي شوا تذكّره بالمتشددين العرب واحتمائهم بجدران العتم. سوف أحاول التعويض بحكاية أخرى: الخطاب الجميل الذي ألقاه ماريو فارغاس يوسا، عندما تقبل جائزة نوبل للآداب العام 2010. تحدث يوسا عن الأعراق والإثنيات والثقافات والأساطير والحضارات، التي يتألف منها وطنه ألبيرو، ثم هتف: «يا له من امتياز عظيم، أن لا تكون لبلاد هوية، لأن لديها كل الهويات».

يقول إنه أحب إسبانيا بقدر ما أحب ألبيرو وشجرها وعصافيرها. فلولا إسبانيا لكان لا يزال «مخربشا» عاديا في وطنه القديم، أما في برشلونة، حيث تسنى له نشر كتبه، فقد اكتسب بطاقة العبور على جسر العالمية. وفي كتابه «الهويات القاتلة» يعبر أمين معلوف عن المشاعر نفسها نحو فرنسا ودورها وجوائزها، وطبعا لغتها. وأرجو أن لا أكون أعطيت الانطباع بأنني أفضل العصبية - من أي نوع - على الانتماء الإنساني. فلا يحق لأي لبناني مثل هذا الشعور الخائب. وسوف أشرح:

نحن من بلد صغير اتسعت أرضه الضيقة للفازعين إليه، حتى صارت هويته الحقيقية التعدد. وقبل الفازعين كان هو في الأصل مجموعة مكوّنات، تتصارع وتتهادن، وتستظل في النهاية سقفا واحدا. وعندما أخاف الكوابيس، أكثر ما أخافه أن يسقط هذا السقف فوق رؤوسنا، وتحت أقدام الموجات المتلاحقة على أسواره الشفافة والرخوة. تأتي حماية الأوطان من الداخل، والداخل اللبناني هش دائما. يقول عبد السلام جلود للزميل غسان شربل في «الحياة»، إنه ظل خمسة أشهر في لبنان يدير الحرب الأهلية ويوزع المليارات والأوامر. ويروي أنه كان يعبر إلى «الشرقية» لمقابلة بشير الجميل برفقة (وحراسة) مدير الأمن الفلسطيني علي حسن سلامة!

أعتقد أن مثل هذا «العدد» في الهويات لا يبقي «تعددا». فلو كانت أهداف الرائد جلود نقل لبنان إلى الجنة، لكان من الصعب على المرء أن يتخيل وطنا يدير حرب سيادة الموفد الخاص لأمين القومية العربية، الذي يصرّح أنه بدأ تفكيك الجيش اللبناني وتمويل الانتفاضة على «فتح» ومجموعة أشياء أخرى. شكرا. شكرا. شكرا.

ولا ينسى الأخ الرائد أن يعدد الأخطار والأهوال التي تعرض لها وهو يتنقل بين المقاتلين، الأبطال والخونة. وكم كنا نتمنى لو لم يعرض نفسه لأي خوف. فقد كافأه بعدها أمين القومية العربية بأن تركه أسير خوف يومي في أسر يومي. وحفظ الله ليبيا من شر ما تعرض له لبنان. وحفظ الرائد جلود، رائد هذا النوع من العمل القومي.