عصر الإخوان

TT

المقدمات تقود إلى النتائج، وهذا ما يعطي شرعية للتفكير في أن حقبة ما بعد «الربيع العربي» ستكون على الأرجح إخوانية بدرجات مختلفة وحسب الدولة المعنية وتركيبتها، ودرجة التطور المجتمعي فيها، والتي ستنعكس أيضا على الرؤية الإخوانية لكيفية الوجود في السلطة لأول مرة سواء بقيادة العملية أو المشاركة فيها بنسبة كبيرة.

الحالة التونسية تعطي مشروعية لهذا التفكير، فهو البلد الذي أطلق شرارة التغيير، الذي شمل حتى الآن ثلاث دول عربية، هي مصر وتونس وليبيا، بينما هناك دولتان في قائمة الانتظار، اليمن وسوريا، مع اختلاف التفاصيل وطريقة التغيير وما إذا كانت سلمية نسبيا أو دموية. وهو (أي تونس) البلد الذي أجرى أول انتخابات كانت نزيهة وفقا لما أجمع عليه العالم، وكانت النتيجة فيها متماشية مع التوقعات بحصول حزب النهضة - وهو النموذج الإخواني في تونس - على أكثر من 40 في المائة من مقاعد الجمعية التأسيسية، بما يجعلها أكبر قوة سياسية في هذه الجمعية التي ستدير الفترة الانتقالية، بينما بقية القوى متفرقة ومشتتة ما لم تقم تحالفات فيما بينها.

وفي مصر، التي يوجد تشابه بينها وبين تونس في طريقة إطاحة النظام وموقف الجيش فيهما من النظام السابق، ستجري الانتخابات لأول برلمان بعد الثورة في أواخر الشهر الحالي، والترجيحات أن يحصل الإخوان على نفس النسبة تقريبا، إن لم يكن أكثر بقليل، وهو ما سيعطيهم أكبر كتلة في المجلس المفترض أن يقود العملية الانتقالية ويقوم باختيار لجنة إعداد الدستور وإقراره تمهيدا لانتخاب الرئيس المقبل. وفي ليبيا، التي تختلف فيها العملية السياسية الانتقالية بحكم أن إطاحة النظام احتاجت إلى وقت ودم أكبر وتدخل من ناتو، يعطي المشهد الحالي أيضا فكرة عن المستقبل السياسي الذي سيكون فيه الإسلام السياسي شريكا أساسيا في الحكومة والنظام الجديد الذي سيتشكل.

وحتى الدول الغربية، التي كانت تخشى هذه التيارات بسبب قضايا الإرهاب، أصبح لديها قبول مبدئي بالتعامل سياسيا مع تيارات الإسلام السياسي والإخوان بشكل أساسي، إذا جرى احترام قواعد اللعبة الديمقراطية والحريات ولم تكن مواقفها مؤيدة للإرهاب. وقد أعطت هذه التيارات إشارات بذلك، كما أعطت إشارات لبقية القوى السياسية في المجتمع خاصة التيارات العلمانية، أو الأقباط في مصر، لطمأنتها بأنها في الحكم ستكون مختلفة عن الانطباع الذي رسم حولها.

ومثال على ذلك تصريحات الغنوشي زعيم حركة النهضة في تونس بعد نتائج الانتخابات سواء عن حجاب المرأة وأنه لا يمكن فرضه، أو الديمقراطية وعدم الانفراد بالحكم، أو احترام كل المعاهدات الدولية. في مصر قد يبدو الأمر أكثر تعقيدا بحكم وجود عشرة ملايين أو أكثر من المسيحيين داخل نسيج المجتمع، وأيضا بحكم أن هناك ما يشبه المنافسة بين الإخوان والسلفيين، مما يجعل هامش المناورة أمام الإخوان أقل من نظرائهم في تونس التي يتمتع أيضا مجتمعها بدرجة أكبر من تقاليد العلمانية بحكم جواره وعلاقاته المباشرة مع أوروبا.

والسؤال هنا هو: إذا سارت الأمور كما تشير المقدمات إلى ما يمكن أن نطلق عليه «حقبة الإخوان»، فكيف سيكون شكل المجتمعات والسياسة والعلاقة مع القوى الأخرى؟ وهل ستجبرهم حقائق السياسة والعلاقات الدولية على أن يتبنوا خطا سياسيا أقرب إلى تركيا؟ وهل ستحترم قواعد اللعبة الديمقراطية؟ هذه أسئلة مفتوحة، فالمرحلة أشبه بالإبحار في مياه لم تكتشف بعد. وإن كان المؤكد أنها مرحلة تطور طبيعي كان يجب أن تمر بها هذه المجتمعات أيا تكن متاعبها، فالتغيير كما يبدو ليس قضية عام أو عامين ولكنه عقد أو عقدين أو جيل بأكمله.