الملف الكردي في تركيا.. التصعيد سيد الموقف

TT

الضربة الموجعة التي نفذها أنصار حزب العمال الكردستاني ضد موقع عسكري في منطقة هكاري القريبة من الحدود التركية - العراقية والتي أودت بحياة 24 جنديا تركيا كانت كافية لإغضاب حكومة «العدالة والتنمية» ودفعها إلى مراجعة وتغيير مخطط التعامل مع المسألة الكردية في البلاد، وهي التي غامرت بالحوار المباشر مع قيادات وشخصيات محسوبة على حزب العمال رغم كل الاعتراضات والانتقادات. والواضح هنا هو أن القيادات السياسية والعسكرية والأمنية أعطت الأولوية للحسم العسكري هذه المرة من خلال خطة تحرك أمني وسياسي ودبلوماسي، مركز الثقل فيها هو قواعد ومواقع حزب العمال داخل الأراضي التركية وفي مناطق شمال العراق، يبدو أن لا عودة عنها قبل الوصول إلى نتائج ترضي «العدالة والتنمية» والكثير من القوى السياسية التي تحمل الحكومة مسؤولية الوصول إلى هذه المرحلة بسبب تراخيها وترددها الدائم في طرح الحلول والخطط الكفيلة بحل هذه المشكلة.

قيادات العمال الكردستاني التي تقول إن العملية الأخيرة جاءت ردا على استهداف كبار قياداتها العسكرية من خلال هجمات جوية في مطلع الشهر المنصرم، لم تكن تتوقع رد فعل عسكريا وسياسيا وأمنيا تركيا بهذا الحجم. فالمتابع يعرف تماما اليوم أن قرار تركيا تحريك فرق النخبة المجوقلة والتوغل في مناطق جبلية وعرة داخل تركيا وفي شمال العراق وتنفيذ مئات الهجمات الجوية واستخدام الأسلحة الثقيلة في العمليات، هذا إلى جانب الاتصالات السياسية والدبلوماسية المكثفة التي أجرتها أنقرة مع قيادات أربيل وواشنطن تحديدا، يؤكد أن تركيا لن تقبل هذه المرة بأقل من الوصول إلى نتائج كفيلة بتضييق الحركة على تنقلات أنصار حزب العمال وتدمير مخيماتهم وقواعدهم في قنديل وانتزاع ضمانات سياسية من قيادات شمال العراق بالتعاون الجدي لقطع الطريق على تحركاتهم.

الإعلام المقرب إلى حزب العمال يقول إن الهجمات الأخيرة لم تؤثر على قوة الحزب العسكرية والبشرية وإنه هو الذي بادر إلى فتح أبواب الحوار والعودة إلى الطاولة من خلال الضغط باتجاه إرسال نواب كتلة السلام والديمقراطية إلى البرلمان وأداء اليمين بعد قرار المقاطعة الذي استمر لأشهر، لكن الكثيرين في تركيا يرون أن الحزب يلعب آخر الأوراق التي يملكها بعدما ضيق الخناق عليه من كل صوب. فاللجوء إلى تنفيذ هجمات انتحارية ضد المدنيين وزرع المتفجرات في الأماكن الشعبية وتحريض أكراد تركيا على التظاهر والعصيان المدني وإغلاق المتاجر ومحاولة إضعاف هيبة الدولة، هو كل ما بمقدور الحزب أن يقوم به بعدما فقد قدرته العسكرية وكوادره وفرصه في قرارات العفو العام، ولم تقد إلى أي نتائج إيجابية على طريق الحل.

قبل أيام صادرت قوات الأمن التركية في مدينة ماردين نحو 100 بندقية قنص من الطراز الحديث معظمها من الصنع الروسي مدفونة تحت الأرض، قالت التقارير الأمنية إن مصدرها هو شمال العراق، وهي قد تكون ضربة أخرى موجعة لحزب العمال لكنها أيضا رسالة للقيادات الكردية هناك بضرورة التعاون الجدي إذا كانت لا ترغب برؤية الجيش التركي داخل أراضيها وطائراته الحربية تحلق فوق رؤوسها. بالأمس أيضا وفي نطاق خطة اعتقالات واسعة في صفوف «كا جا كا»، اتحاد المجتمع الكردستاني، وهو التجمع المدني الرديف لحزب العمال في تركيا كما تقول التقارير الأمنية، تم توقيف العشرات من الكوادر وهم يناقشون الدستور البديل المنوي طرحه باسم التجمع لكن التهمة الموجهة هي العثور على إثباتات تتحدث عن بدائل كعدم إرسال الشباب الأكراد لتأدية الخدمة العسكرية الإلزامية وإغلاق ومقاطعة المدارس الحكومية والتصعيد الأمني عبر خطة اغتيالات سياسية تستهدف رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان نفسه.

هل ستكون تصفية القوة العسكرية لحزب العمال، وهذا ما تريده حكومة أردوغان قبل غيره اليوم، خطوة كفيلة باعتماد لغة جديدة من الحوار بين الأتراك والأكراد في تركيا على طريق فتح الطريق أمام الدستور التركي الجديد وتشجيع حكومة «العدالة والتنمية» على حوار حقيقي باتجاه فتح الملف الكردي مرة أخيرة وإغلاقه إلى الأبد.. أم أن التأزم سيطول وسنستمر في الاستماع إلى أصوات في صفوف الأكراد تراهن حقا على اقتراب موعد مناقشة ارتدادات «الربيع العربي» داخل تركيا كرديا هذه المرة، ونحن نتابع ما يقوله نائب رئيس حزب السلام والديمقراطية صلاح الدين دميرطاش الذي يدعو أنصار الحزب للتجمع بكثافة خلال تشييع جنازات قتلى «العمال» في العمليات العسكرية الأخيرة في تحد علني، مذكرا بأن مناطق جنوب شرقي تركيا تعود تدريجيا إلى أيام مطلع التسعينات حيث كان التوتر في ذروته؟