أزمة الربيع العربي

TT

يقول تشي غيفارا، أحد أهم ثوار القرن الماضي: «الثورة كالدراجة إذا وقفت تقع»! والمتأمل لحركة الثورات العربية الأخيرة المعروفة باسم الربيع العربي يلاحظ أنها تتصف بأربع صفات أساسية:

1) أنها ثورات شعبية ليس لها حزب قائد أو زعيم محدد بعينه.

2) قامت ضد نظم مارست الاستبداد السياسي معتمدة على ثقل يد الدولة الأمنية.

3) أن الرافد الرئيسي لها هو المرحلة العمرية من 18 إلى 25 عاما.

4) أن الشبكة العنكبوتية (الإنترنت - فيس بوك - تويتر) كانت هي قناة الاتصال والتنظيم والتواصل والدعاية لها إزاء احتكار أنظمة الحكم لوسائل الإعلام الرسمي.

ولعله أرسطو الذي وصف الفعل الثوري بتعريف دقيق قال فيه: «التغيير الكامل من دستور إلى آخر، أو أنها تعديل وتنقيح للدستور الحالي». وعاد وأضاف: «إنها حركة سياسية حيث يحاول الشعب أو الجيش، أو مجموعات أخرى في الحكومة، إخراج السلطة من الحكم».

والتحدي الأكبر الذي واجه أهم الثورات التي عرفها التاريخ، مثل الثورة الإنجليزية عام 1689، والأميركية 1763، والفرنسية 1789، ثم الروسية 1917، هي كيفية الانتقال من حالة الإسقاط الكامل لنظام ودستور ومؤسسات قديمة، إلى حالة البناء الكامل لنظام ودستور ومؤسسات جديدة.

كم من الثورات بدأ الإسقاط ولم يكمله! وكم من الثورات كانت حروبه الداخلية مع الذات أكثر من حربه مع النظام القديم أو الثورة المضادة!

الثورات قد تبدأ كعمل نبيل ولكن كثيرا ما تنتهي كعمل شرير.

كثير من الثورات خرجت كي تحرر الشعوب من طغيان حاكم واحد، ثم تولد منها عشرات الطغاة الجدد. وكلمة ثورة مشتقة من المصطلح اللاتيني «ريفيلتو» وهي تعني: «التعديل الحاد أو التغير الأساسي في التركيب المؤسسي في فترة زمنية محددة قصيرة نسبيا». وعمر الزمن في عصرنا الحالي هو العنصر الأهم في تقييم مستقبل الثورات.

ثورات الأمس قد تستغرق عشرات السنوات، مثل الثورات الأميركية والفرنسية والروسية، أما ثورات اليوم فهي لديها فترة «سماح» واختبار تستغرق 3 أعوام، وذلك يرجع إلى نفاد صبر الرأي العام، وارتفاع سقف توقعاته تجاه النظام الجديد.

أزمة الثورات العربية اليوم هي أنها مطالبة بإزالة آثار استبداد استقر وعشش في جذور المجتمع لسنوات طويلة، في فترة قصيرة.

المواطن في دول الربيع العربي يريد أن يحصل على كامل الفاتورة المؤجلة لحقوقه المهدورة، سياسيا واقتصاديا، على مدار عشرات السنين الآن، الآن وليس غدا، على حد قول السيدة فيروز.

مواطن الربيع العربي يريد «كل الإسقاط» للقديم، وكل «البناء» للجديد دفعة واحدة. إن الأسوأ من بقاء الحاكم المستبد هو ثورة تطيح به وتأتي بنظام أكثر استبدادا.