لا عودة لحماس إلى الأردن.. والاعتراف فقط بمنظمة التحرير الفلسطينية

TT

مع تشكيل هذه الحكومة الأردنية الجديدة، التي شكلها القاضي في محكمة لاهاي الدولية عون الخصاونة، ساد انطباع لدى الأردنيين، وربما أيضا لدى المراقبين من الخارج، بأن الطلاق السياسي بين الأردن وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذي مر عليه نحو اثني عشر عاما في طريقه إلى النهاية وذلك إلى حد أن تقديرات الأكثر تفاؤلا قد ذهبت إلى توقع انتقال المكتب السياسي لهذه الحركة برئاسة خالد مشعل من دمشق إلى عمان خلال أيام ليستعيد الوضع الذي كان عليه قبل عام 1999.

وسبب هذه التقديرات والانطباعات أن رئيس الوزراء الجديد عون الخصاونة، الذي جاء إلى الساحة الأردنية بمثابة وافد من عالم آخر بعد غياب استمر أعواما طويلة على أساس وجوده منذ بدايات العقد الماضي في لاهاي بهولندا، قد بادر، في محاولة منه للتقرب من جماعة الإخوان المسلمين المعارضة، إلى الانفتاح على حركة حماس واستقبال أحد أعضاء مكتبها السياسي في منزله خلال تشكيل حكومته الجديدة، وإلى فتح خط ساخن مع خالد مشعل المقيم في دمشق وتلقي اتصال هاتفي من رئيس وزراء حكومة غزه (المقالة) إسماعيل هنية.

ولعل ما عزز القناعة لدى من بقوا يسعون لعودة حماس، بمكتبها السياسي وبتنظيمها، السري والعلني، إلى الساحة الأردنية ومن بينهم، بالإضافة إلى الحركة الإسلامية، رؤساء وزارات سابقون وأحد مديري المخابرات السابقين، أن المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور همام سعيد، الذي يعتبر الأكثر تشددا والأكثر رفضا في هذه الجماعة، قد قال، بينما كان الجدل محتدما حول زيارة مرتقبة كان المفترض أن يقوم بها خالد مشعل إلى عمان، في حديث لإحدى الصحف الأردنية: «نحن نطالب بأن يكون لحماس وجودها على الساحة الأردنية كما هو الحال بالنسبة لفتح ومنظمة التحرير، فهي منظمة فلسطينية».

وأضاف في هيئة تهديد مبطن: وحماس أوْلى بحرية العمل على الساحة الأردنية من فتح ومنظمة التحرير، نظرا لأن برنامجها المقاوم في غزة ولأن رفضها للوطن البديل، يعطيها الأولوية ليكون لها وجودها المعلن والرسمي في الأردن، ولأن هناك متغيرات دولية وعربية وإقليمية كثيرة جدا.. وبمعنى أن الذي لا يتغير في ضوء هذه المتغيرات لا بد أن يتغير، وفي الحقيقة أنه لا يمكن أن نبقى نتعامل مع الأمور كما كنا نتعامل معها في العام الماضي. إن هذه هي سنة الربيع العربي، ولقد غيرت هذه السنة كل شيء في العالم وفي هذه المنطقة»!!

إزاء هذا، فقد جاء رد الحكومة الأردنية على تصريحات همام سعيد عاجلا وحاسما وواضحا؛ إذ قالت على لسان أحد وزرائها: «إننا ننظر لحماس باحترام وأهمية كفصيل فلسطيني كبير، ونتمنى أن لا يُفهم هذا على أنه على حساب علاقاتنا بالسلطة الوطنية الفلسطينية التي تعتبر مثل أي علاقات بين دولتين، وأما العلاقة الطبيعية مع حركة المقاومة الإسلامية، فإنها تعني أن يزور مسؤولو هذه الحركة الأردن وأن يلتقوا بمسؤولين أردنيين، لكن فكرة أن يكون لها مكتب أو مركز في عمان، فإن هذه مسألة غير مطروحة في الفترة الحالية». ومع أن هذا المسؤول الأردني المشار إليه قد أكد على أن فكرة انتقال المكتب السياسي لحركة حماس من دمشق إلى عمان غير مطروحة أيضا من قبل هذه الحركة، فإن ما قاله في هذا المجال المراقب العام للإخوان المسلمين في تصريحاته الصحافية المشار إليها آنفا يؤكد أن هناك مشكلة جدية باتت تواجه حركة المقاومة الإسلامية، والحركة الإسلامية بصورة عامة، بسبب بقاء خالد مشعل ومكتبه السياسي في دمشق، خاصة وقد تطورت الأمور في سوريا على هذا النحو وأصبح هناك احتمال بأن يطلب الرئيس السوري من ضيوفه الفلسطينيين أن يساهموا بدور عملي في مواجهة هذه الانتفاضة الشعبية السورية المتصاعدة على غرار ما بقي يفعله حزب الله اللبناني وما بقي يفعله «فيلق القدس» التابع لحراس الثورة الإيرانية منذ مارس (آذار) الماضي وحتى الآن.

وحقيقة، فإن خالد مشعل، الذي لا يزال وفيا لعلاقاته وعلاقات مكتبه السياسي بإيران التي تعود إلى بدايات ثمانينات القرن الماضي، بات يتعرض لضغط فعلي من قبل «إخوان الأردن» ومن قبل «إخوان مصر» والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وأيضا من قبل الرأي العام الفلسطيني الذي لا يجد مبررا لبقاء المكتب السياسي لحركة حماس في دمشق بينما يشارك «إخوان سوريا» في الانتفاضة الشعبية السورية التي دخلت شهرها الثامن مشاركة رئيسية ويتعرضون لكل ما يتعرض له الشعب السوري والأطراف الأخرى المنضوية في إطار هذه الانتفاضة الشعبية.

والواضح أن خالد مشعل يريد الاحتفاظ له ولمكتبه السياسي بموطئ قدم في دمشق حتى اللحظة الأخيرة لتبقى الطرق بينه وبين طهران سالكة وآمنة ولتبقى حركة حماس بالنسبة لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي أحد أضلاع المثلث الاستراتيجي الذي كان تحدث عنه قبل فترة، والذي يضم، بالإضافة إلى هذه الحركة، كلا من سوريا بشار الأسد، وحزب الله اللبناني بزعامة حسن نصر الله، وكل هذا مع البحث عن موقع بديل يكون جاهزا في حال حصول مفاجآت في ضوء كل هذه التوترات السورية المتصاعدة وفي حال أن يحصل في سوريا ما حصل في ليبيا التي كان حكامها يشعرون بإمكانية تجاوز المستجدات التي كانت تهددهم على غرار ما يقوله الآن كبار رموز القيادة السورية.

وهنا، فإن الاعتقاد الذي يلامس حدود اليقين أن عين خالد مشعل، خلافا لتأكيدات المسؤول الأردني المشار إليها آنفا، مسلطة على الأردن، وأنه لا يحلم فقط؛ بل ويعمل من أجل عودة حماس تنظيميا وسياسيا إلى الساحة الأردنية التي يعتبر أن الوجود فيها بالنسبة إليه يساوي الوجود في الضفة الغربية الملاصقة للضفة الشرقية والمتداخلة معها جغرافيا وديموغرافيا، وأهم من الوجود في غزة التي يعتقد أن عودته للإقامة فيها ستكون سببا لتفجر الخلافات المستفحلة بين قيادة الخارج وقيادة الداخل، وهي خلافات غدت مكشوفة ومعروفة.

لكن وبغض النظر عما أشار إليه الوزير في الحكومة الأردنية الجديدة، فإن المؤكد أن الأردن قد يقبل بزيارات متقطعة يقوم بها خالد مشعل ويقوم بها بعض أعضاء مكتبه السياسي، لكنه لن يقبل أبدا وعلى الإطلاق بأن تستعيد حركة حماس وجودها في الساحة الأردنية وفقا لما كان عليه الوضع قبل عام 1999، فهذه مسألة من رابع المستحيلات، خاصة أن أوضاع المنطقة هي هذه الأوضاع المضطربة، وأن حركة المقاومة الإسلامية متمسكة بعلاقاتها مع إيران المتوترة علاقاتها مع المملكة العربية السعودية على خلفية محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن.

وكل هذا بالإضافة إلى أن الأردن كدولة لا يقيم علاقات مع أي تنظيم فلسطيني حتى بما في ذلك حركة فتح، وأن علاقاته تنحصر في منظمة التحرير الفلسطينية «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»، وبالسلطة الوطنية التي هي دولة فلسطين التي لها سفارة في عمان على غرار باقي الدول العربية.

سيبقى «إخوان الأردن»، الذين يجمعهم بحركة المقاومة الإسلامية تداخل تنظيمي معروف هو سبب الإشكالات التنظيمية الداخلية التي بقوا يواجهونها خلال العشرين سنة الماضية، يضغطون على هذه الحكومة الأردنية وعلى أي حكومة ستخلفها من أجل إعادة وضع حماس في الأردن إلى ما كان عليه قبل إبعاد مكتبها السياسي عن عمان في عام 1999، لكن كل هذا لن يغير في الأمر شيئا، لأن المسألة تتعلق بأمن الدولة الأردنية، وتتعلق أيضا بعلاقات هذا البلد ببعض الدول العربية الأساسية، وبالسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية.