العرب والمسلمون في منعطف تحول التاريخ

TT

في معظم انحاء العالم الاسلامي، يدور نقاش حاد وجدل متصاعد على ما اظن حول صورة الاسلام التي ينبغي علينا نحن المسلمين ان نقدمها عن انفسنا للعالم، لا سيما بعد حوادث 11 سبتمبر المرعبة التي اتهم فيها مسلمون أو اسلاميون، حقاً كان ذلك أم باطلاً. وبصرف النظر عن موقف اي منا من الحرب والتطورات المحيطة، او موقعه، بها فإننا نواجه جميعاً تحدياً مشتركاً اضحى اسمه «العرب والمسلمين»، بل وربما في صورة أبعد من ذلك احياناً واكثر هلامية وابهاماً «الشرقيين» أو «سُمر الوجوه» أو «الشرق اوسطيين»، وهو الجزء الذي يلمسه اكثر منا ويعاني منه ربما اكثر منا ابناء الجاليات المسلمة المقيمة في الغرب لا سيما القاطنة في الولايات المتحدة.

وسواء كانت امريكا محقة في اتهام بن لادن وطالبان والقاعدة بالوقوف وراء تفجيرات نيويورك وواشنطن أم لا، الا ان الحملة الحاقدة والمشبوهة التي انتشرت في الصحافة، والاعلام المرئي الغربي والامريكي والبريطاني على الاخص بعد تلك العمليات، ضد الاسلام والمسلمين، خاصة ضد السعودية مملكة وشعباً وديناً ومذهباً، لا يمكن اعتبارها طبيعية بأي شكل من الاشكال، ولا يمكن ان تكون خالية من تدخلات الاصابع الصهيونية الواضحة.

وهنا ثمة من يعتقد بأن ما كان قد حصل في ديربان في جنوب افريقيا قبل حوادث 11 سبتمبر، حيث اجمع العالم في لحظة تاريخية فريدة في نوعها يصعب ان تتكرر كثيراً، على ضرورة اعتبار الصهيونية مرادفة للعنصرية. وهو الانجاز الكبير الذي، وإن اجهضته الحركة الصهيونية في اللحظة الاخيرة على المستوى الرسمي للمؤتمر، كان في الواقع نقطة البداية في ما شهدناه ولا نزال نشهده من حملة ظالمة ضد الاسلام والمسلمين والعرب وتحديداً في اتهامهم الباطل بأنهم يساوون الارهاب! بمعنى آخر، فإن اسرائيل التي تمثل بحق ابشع اشكال وانماط ارهاب الدولة المنظم والتي حشرها العالم الحر مجتمعاً ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وكشف عورتها وفي وضح النهار، ارادت ان ترد الصاع صاعين للعرب والمسلمين، فاستثمرت حوادث 11 سبتمبر والتي جاءتها بمثابة الفرصة الذهبية لتقلب المعادلة رأساً على عقب والطاولة على رؤوس العرب والمسلمين ليس فقط باتجاه نفي صفة العنصرية والارهاب عن طبيعتها، بل واتهام خصومها واعدائها التاريخيين بأنهم مساوون للارهاب! وهكذا، وبدل ان يتحرك العالم على قاعدة لحظة يقظته التاريخية في ديربان، سرعان ما تحول الى الرقص على انغام سيمفونية اسرائيل والصهيونية القائلة بمساواة الاسلام بالارهاب! من هنا نعتقد بأن على ايران والسعودية ومصر وسوريا بشكل رئيسي، ومعهم سائر المسلمين والعرب على قدر طاقتهم وتفهمهم أو تحسسهم لهذا التحدي الكبير، العمل بجد على ما يلي:

أولاً: رد الصاع صاعين للصهيونية واسرائيل من خلال التنسيق المكثف في ما بينهم باتجاه اعادة احياء موضوعة ومقولة الصهيونية تساوي العنصرية مصحوبة بالجهود الفاضحة لممارسات ارهاب الدولة الصهيوني المستمر بشكل يومي ضد الشعب الفلسطيني، وسياسات شارون ومافيا الارهاب المحيطة به تقدم الأدلة اليومية الحية على الادانة.

ثانياً: العمل بكل قوة واصرار على ضرورة عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لتعريف الارهاب ووضع الحدود والنقاط على الحروف لفصله تماماً عن مقولة المقاومة وحق الشعوب في الكفاح من اجل استرداد اراضيها وحقوقها المشروعة الاخرى بالأشكال كافة. وهو الحق الذي تكفله لها المقررات والاتفاقيات والاعراف والشرائع الدينية والمدنية.

ثالثاً: ان تتداعى الدول الأربع المذكورة ومن خلال مواقعها الدينية والحضارية والسياسية المهمة في العالمين العربي والاسلامي، الى اجتماعات ولقاءات شعبية وحكومية متواصلة من اجل ازالة آثار الخلافات والمنازعات والفتن العرقية أو الطائفية أو المذهبية أو الدينية المتداولة في العالمين العربي والاسلامي للتوصل في نهاية المطاف الى «وثيقة شرف» تعاقدية تفاهمية تعاونية بين اطراف العالم الاسلامي كافة، تعتبر الوحدة في الموقف الاسلامي والعربي هي الاساس والتمايز أو الاختلاف على قاعدة المذاهب أو الطوائف بل وحتى الاديان ما هو الا اجتهاد داخل العائلة الواحدة. كما يمكن توسيع هذه الوثيقة لتشمل حق الاختلاف الديني والثقافي والحضاري للعالم اجمع فتصبح وثيقة شرف انسانية. انها فرصة تاريخية ذهبية قد لا تتكرر بسهولة، واللحظات التاريخية تتطلب من الرجال واصحاب الهمم العالية مواقف شجاعة وحاسمة، ونحن الآن أحوج ما نكون اليها في هذه الأيام العصيبة والحساسة.

الجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي بدورهما ايضاً يستطيعان ان يلعبا الكثير، وكذلك المؤسسات والتجمعات المدنية والدينية المنتشرة والمتوزعة على امتداد العالم الاسلامي الكبير، بل والممتدة الى انحاء العالم اجمع.

وحده الكسل والاتكال أو التواكل أو التقوقع أو الاهمال أو التغافل، لا سمح الله، يمنعنا من القيام بهذه المهمة المطلوبة بإلحاح. وما لم نقم بها اليوم فالوقت سيكون متأخرا جداً للقيام بها فيما بعد. وأي تراجع ينجم عن عدم أخذ المهمة بعين الجد يعني أننا امة تتجه الى الوقوف على هامش صناعة التاريخ مستقبلاً. والعكس صحيح، فإن اخذ المهمة بجد يعني اننا قررنا العودة بقوة الى المساهمة في صناعة التاريخ وصنع هيكلية المعادلة الدولية أو النظام الدولي الجديد الذي سيتشكل بنا أو بدوننا.