تعالوا نتحاسب!

TT

فجأة وبلا مقدمات تحول بعض الثوريين في منطقتنا إلى عقلانيين، وباتوا يقدمون رؤية نقدية تجاه ما يجري في الدول العربية التي ضربها زلزال التغيير هذا العام، وعندما نقول «فجأة» فلأنهم «لحسوا» كلامهم عن الثورة، والتغيير، عندما وجدوا أن الإسلاميين يتقدمون سياسيا!

وكما ظهر لنا، في فترة زلزال التغيير العربي، «مخادعون»، و«متحولون»، فقد بات لدينا اليوم من يجب أن نسميهم بـ«المصدومين»، والذين يريدون إقناعنا بأنهم عقلانيون ويقدمون رؤية نقدية، وهم - أي «المصدومين» - كانوا يشتمون - نعم يشتمون - عقلانيتنا، مرة على صدر الصحف، وأخرى في التلفاز، هذا فضلا عن وسائل الاتصال الاجتماعية، وحتى لدى مراسلي الصحف الأجنبية، حيث كان البعض منهم يحرض المراسلين على ضرورة عدم الاستماع لمن يتحدث بصوت العقل لأنه من مثقفي السلطة، هكذا كان بعضهم يفعل.

اليوم، وبلا مقدمات، يريد «المصدومون» إقناعنا بعقلانيتهم، ويريدون تحليل المشهد من منظور سياسي، واجتماعي، وهكذا. وهم الذين كانوا يهاجموننا عندما قلنا إن مصر غير تونس، وليبيا غير البحرين، والسعودية ليست من الدول التي تعاني أزمة شرعية، سواء قادت المرأة السيارة أو لا. وللتذكير، لأن البعض يجيد التناسي مثلما يجيد التلون، فحديثنا عن السعودية كان يوم تجددت موضة البيانات، وكذلك التحشيد للمسرحية الهزلية التي سميت زورا بـ«ثورة حنين». والقصة ليست قصة من يحتكر الحقيقة، وهو ما يحذر منه دائما صديقنا وأستاذنا الراقي عماد الدين أديب، فمن لا يتغير وفق الحقائق يكون غير عاقل، لكن القصة بكل بساطة هي أن على «المصدومين» اليوم أن يعتذروا أولا عن تطاولهم، وتخوينهم، وتسفيههم، لكل من خالفهم الرأي وقتها. فمجرد تغيرهم اليوم لا ينبغي أن يؤدي إلى نسيان ما خطوه، أو قالوه، خصوصا أن لدى كثير منهم - وبالذات من يعدون أنفسهم مفكرين، ورموزا إعلامية - أخطاء كثيرة، وأبرزها تكرار الأخطاء في المواقف.

فقد انتقدوا موقفنا تجاه إيران، وثبت أنهم على خطأ. وانتقدونا من الموقف تجاه حزب الله، وثبت أنهم على ألف خطأ. وانتقدونا من الموقف تجاه الجماعات الإسلامية والأصولية، وثبت أنهم على خطأ أيضا. وانتقدوا حديثنا عن جدوى العمل السلمي وثبت خطؤهم، وها هي السلطة الفلسطينية، وبقيادة محمود عباس وليس خالد مشعل، تنتزع اعترافا عالميا بحق الدولة الفلسطينية من منظمة اليونيسكو وبدون أي عملية انتحارية، أو تبادل أسرى! وهذا ليس كل شيء، فحتى عندما حاول بعض هؤلاء «المصدومين» أن يتحولوا إلى الخطاب العقلاني، فقد ارتكبوا أخطاء جسيمة، وقد سلط الزميل مشاري الذايدي الضوء على بعضها، إلا أن الخطأ الآخر الذي لم ينتبهوا إليه حين لبسوا ثوب العقلانية، وأبرزهم هنا مثلا هيكل، أنهم لم يقولوا كلمة حق تجاه ما يحدث في سوريا، ولم يدافعوا عن السوريين العزل، بل انساقوا خلف الشعارات الكاذبة، وأكبرها، كذبة الممانعة والمقاومة التي لم تعد تنطلي حتى على السوريين أنفسهم.

المشكلة مع بعض هؤلاء «المصدومين» ليست في تحولاتهم، وهي كثيرة، بل الإشكالية أنهم يعتقدون بأن لا أحد يراقب ويرصد، وما نريد قوله لهم أنه قد حان وقت تذكيركم بمواقفكم.

[email protected]