طبيب من إندونيسيا

TT

سألت الكاتبة الأميركية إليزابيث غيلبرت «طبيبا» روحانيا في إندونيسيا، ماذا تفعل كي يتحقق التوازن في حياتها. قال لها: «فلتكن لك أربع أقدام تثبتك في الأرض، اثنتان لا تكفيان. وتعاملي مع هذا العالم بقلبك، لا بعقلك».

من أين لنا بالقدمين الإضافيتين؟.. إن الإنسان يسكن حياته في الريح، يكاد لا يلامس الأرض، دائما أسير ما حوله من عواصف.. تيارات لا علاقة له بها ولا يعرف عنها شيئا ولا يهمه أن يعرف، لكنه يجد نفسه في خضمها، غالبا، مثل ورقة لا إرادة لها ولا رأي ولا خيار سوى التحليق في كل المهبات. كم هو جميل أن نتعامل مع هذا العالم بقلوبنا. لكن ماذا يحدث لنا عندما يتعامل ذوو القلوب الخشنة معنا بقلوبهم؟.. وماذا يحدث حين نسلم قلوبنا طوال أربعين عاما لرجل من دون قلب؟.. وماذا يحدث إن لقي هذا عقابه، بالطريقة التي لقيها، فأين كانت قلوب الرجال؟ أعرف منذ يفاعي أنه يجب أن تكون للإنسان أربع أو ست أو ثماني أقدام رمزية، لكي لا تحمله الريح ولا تقتلعه العاصفة. ولكن كيف نزرع القلوب لصناع الريح والعواصف؟.. من أين نأتي بالقلوب للقتلة والجلادين؟.. كيف نقنعهم بأن ثمة حياة لهم من دون موت للآخرين؟ هل في هذا العالم مكان لمن لا يرونه إلا بقلوبهم؟

تمتلئ مكتبات العالم بنصائح «المرشدين» الهنود. ويسافر الكثيرون إلى الهند وإندونيسيا لكي يتعلموا هدوء النفس وبلوغ السكينة. وعندما أرى في شوارع أوروبا مجموعة من الشبان، وقد حلقوا شعرهم وارتدوا ثياب الرهبان البوذيين، وهم يدقون على التنك، أضحك من هشاشة الإنسان: فهل سعادة النفس في الدق أم في هذا العرض الراقص؟.. وهل لو كان لدى هؤلاء شيء أجدى يفعلونه، كان سيطلبونه هنا عند مدخل ريجنت ستريت؟

ولكن، أيضا، أليس هناك شيء من الحكمة والخبرة في نصيحة العجوز الإندونيسي؟ فهل تطاق هذه الحياة إذا استسلمنا للخفة من ناحية ولضراوة الحقيقة من ناحية أخرى؟ كيف سوف نحيا إذا لم نرَ من وما حولنا إلا بعقولنا؟ كيف يمكن أن نقبل معظم الحقائق والحالات والناس والطباع؟ كيف يمكن، بالعقل وحده، أن نحقق عدالة ما؟ كيف يمكن أن تستمر الدنيا بالقانون من دون العفو والتسامح والرحمة؟ إن النظر إلى الناس والأشياء بالعقل وحده شقاء مزدوج مستديم: لنا ولسوانا. العقل أحكام دائمة، ودائما شبه عادلة، والقلب عفو دائم، وتغافل، وتراحم. والتوازن في الحياة هو معرفة الاختيار بينهما، أو معرفة المزج بينهما، وعندها لا نعود في حاجة إلى أقدام إضافية. الإنسان لا يبلغ السكينة، ولذا فإن أفضل ما يبلغه، هو معرفة الطريق إليها.