بلير... بين الوساطة والمهمة

TT

خطاب الحملة الاعلامية البريطانية على زيارة رئيس الوزراء، توني بلير، الاسبوع الماضي الى كل من سورية والسعودية والاردن والسلطة الفلسطينية، وتركيزها بصورة خاصة على انها «اضعفت حملة الحلفاء» على الارهاب (صحيفة «ذي تلغراف» اللندنية)... يوحي بان المطالبين بنسف كل الجسور السياسية بين الغرب والعرب ما زالوا يمسكون بمواقع التوجيه الاعلامي في بريطانيا. كان مؤسفا ان تخلو تعليقات الاعلام البريطاني على زيارة بلير الى اراضي السلطة الفلسطينية من اشارة ولو خجولة الى تزامنها مع الذكرى الرابعة والثمانين لوعد بلفور المشؤوم باقامة «وطن قومي» لليهود على ارض فلسطين العربية. الا ان الاكثر مدعاة للاسف ان لا تكون الزيارة مناسبة اعلامية للفتة واحدة تقول: حان الوقت لان يعوض «وعد بلير» بوطن فلسطيني ـ ولو جزئيا ـ وعدا بريطانيا استعماريا كان، ولا يزال، سبب مآسي الشرق الأوسط، والى حد بعيد الخلفية الرئيسية لما يصفه الاعلام البريطاني والاميركي بـ«العداء» العربي والاسلامي للغرب.

زيارة توني بلير للمنطقة العربية ـ في اكثر الظروف دقة في علاقة الغرب بالعالمين العربي والاسلامي ـ أقل ما يقال فيها انها زيارة جريئة تحدى فيها مسؤول غربي تيارا واسعا داخل الرأي العام في بلاده ليوظف حصيلتها في خانة الحفاظ على «شعرة معاوية» في العلاقة الغربية ـ العربية (والاسلامية استطرادا). وفي هذا السياق لا حاجة للتذكير بـ«شعبية» العرب والمسلمين في الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي.

لماذا ترك العرب لاسرائيل مهمة الاشادة بزيارة بلير وقد كان اكثر انصافا لهم في تصريحاته العلنية واعتبروا جولته «مخيبة للآمال» رغم انه ابلغ ارييل شارون، علنا، أن «امن» اسرائيل مرتبط بامتثالها للقانون الدولي وأعاد تأكيد التزام بلاده بقيام الدولة الفلسطينية؟

الواقع، يكفي الجانب العربي ان يكون توني بلير عاد الى بلاده بانطباع يؤكد وجود «هوة من سوء التفاهم بين العالمين العربي والاسلامي (من جهة) والعالم الغربي (من جهة ثانية)» وبتحذير علني من اتساع هذه الهوة، لأن يأمل العرب بمقاربة غربية اكثر تفهما لواقعهم ولمشاكلهم السياسية.

سواء في خلفيتها أم في اهدافها، كانت جولة بلير الاخيرة تحركا سياسيا منسقا مع الادارة الاميركية وتحركا يستبق، في اطاره الزمني، لقاء مقررا مع الرئيس الاميركي جورج بوش، الاسبوع المقبل، ويستبق أيضا خطابا مثيرا لقلق ارييل شارون من المقرر ان يلقيه وزير الخارجية الاميركي، كولن باول، في الامم المتحدة، حول الرؤية الاميركية الراهنة للتسوية السلمية في الشرق الاوسط. ولأن بريطانيا تتحمل مسؤولية تاريخية تجاه «القضية الفلسطينية» منذ وعد بلفور، ولان موقعها الجيو ـ سياسي يخولها لعب دور الجسرالمفقود حاليا بين العالمين العربي والغربي ـ والغربي الاميركي بصورة خاصة ـ لا بد من إدراج مهمة بلير الشرق أوسطية في سياق الحدث المستقبلي المنتظر في المنطقة اكثر من اعتبارها مجرد «وساطة» أخرى في نزاع المنطقة... كائنا ما كان التقويم الفوري لها.