كل حج والجميع بخير!

TT

تستقبل بلاد الحرمين الشريفين في هذه الأيام المباركة ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام الذين وفدوا إليها من كل فج عميق ليؤدوا الركن الخامس من أركان الدين الإسلامي. بحسب التقديرات والإحصاءات الرسمية التي تتداولها وسائل الإعلام السعودية، يبدو أن موسم الحج لهذه السنة سيكون الأكبر عددا في التاريخ، حيث إنه من المتوقع أن يتجاوز عدد الحجاج ثلاثة ملايين يجيئون من معظم أقطار العالم بدون أي مبالغة، إذ لا توجد سوى دول محدودة جدا لا ترسل حجاجا في هذه الأيام العظيمة.

وقصص أهل مكة والمدينة مع الحج والحجاج أسطورية، فهي مناطق تعود أهلها على خدمة الحاج وأصبح جزءا من تراثهم وثقافتهم، تبادلوا معهم الحرف فكانت لبيوتهم ومحلاتهم اللمسات التراثية من أقطار العالم المختلفة وثقافتهم، حيث الخشب الهندي والجاوي والصدفيات التركية والزخارف الخزفية الشامية، وكذلك تأثرت موائدهم بالمطبخ الثري لدول الحجاج، وأصبح بالتالي يرى التميس الأفغاني والفول المصري والسمبوسك الهندية والكباب التركي والأرز البخاري والمنتو الفرموزي. وطبعا كانت المناسبة للقاء علماء دين من شتى البقاع يتواصلون في هذه البقاع الطاهرة ويتحاورون في علوم الدين، وبانفتاح، ويطلعون على الآراء المتنوعة لإثراء العقول والنفوس، وكان من الطبيعي طبعا أن يتزاور ضيوف الرحمن مع سكان البلاد ويتعارفوا، بل ويتزوجوا ويتصاهروا في تطور طبيعي للعلاقات بين الشعوب والأمم.

ومع مرور الوقت تطورت الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن من طوافة وسقاية ونقل وضيافة وغيرها، وذلك تناسبا مع كبر الأعداد القادمة واختلاف احتياجاتهم. وكان هدف الدولة السعودية هو تطوير جميع الخدمات وتذليل جميع العقبات لأجل أن يتم الحاج والمعتمر مناسكه بشكل سلس ويسير، مع عدم التوقف في خطط التوسعة للحرمين الشريفين وتطوير جميع البنى التحتية المصاحبة والمطلوبة لذلك.

واليوم تحولت خدمات الحج والعمرة إلى صناعة حديثة متكاملة وجزء مهم ومتنام من المنظومة الاقتصادية، وتتفاوت قدرات الدول المرسلة لبعثات الحج والعمرة في تأهيل مواطنيها لتلك المناسك المقدسة، ويبقى المثال الماليزي هو الأكثر تميزا، وهي الدولة التي لا ترسل مواطنيها للمناسك إلا بعد أن يتموا دورة نظرية وعملية في كيفية أداء المناسك، وذلك لتجنب الأخطاء والمشاكل والسلبيات، وفي ذلك تقليل من التكلفة على المدى البعيد ولا شك، وحاولت بعد ذلك أكثر من دولة تقليد وتطبيق النموذج الماليزي بدرجات متفاوتة، كان آخرها السودان الذي بدأ في هذه التجربة مؤخرا.

التقنية هي الأخرى جار توظيفها بشكل مطرد لتحسين فعاليات الخدمات والحد من الصعوبات، فالمطوفون يستخدمونها للتأكد من حصر ضيوف الرحمن التابعين لحملاتهم، وكذلك تفعل الفنادق وشركات النقل، وهي الأخرى ليست بعيدة عن استخدام الجهات الأمنية لها، وذلك منعا للتزوير في التأشيرات والتخلف عن مواعيد العودة المقررة. أرقام الحجاج في ازدياد مطرد، والتوعية والتثقيف لهم هما التحدي الدائم الذي سيكون له انعكاسه على تحسين أداء المناسك وتوفير المناخ الأكثر ملاءمة. وزيادة الاعتماد على وسائل النقل العامة وتحسين مستوى خدمات النظافة وتطوير آليات الخدمات الطبية، كلها ستكون بمعنى واحد: أن الحج كتجربة روحانية باتت أكثر استمتاعا وأقل مجازفة ومخاطرة. نسأل الله القبول لحجاج هذا العام، وكل عام، وأن يعيد على الجميع «الأضحى المبارك» بالخير والرخاء والأمن.