عندما يُجلد الشيخ

TT

ما أكثر الرجال الذين ينطبق عليهم شطر بيت الشعر هذا: (أسد عليّ وفي الحروب نعامة). نعم بعض الرجال لا تظهر (مرجلتهم) إلا في بيوتهم وعلى زوجاتهم بالذات، وسلاح بعضهم لا يعدو غير (العقال)، وبعضهم (الشلوت). غير أن بعض النساء للأسف يتلذذن بالضرب مثل (حفصة بنت عمران) حفيدة الصحابي طلحة بن عبيد الله، التي تزوجت عدة مرات، إحداها من (القاسم) وهو حفيد عثمان بن عفان، وكان يلهب ظهرها بالسوط من شدة الحب والغيرة، وبعد معاناة طلقها، فتزوجها بعده الخليفة (هشام بن مروان)، ومن أول الأيام لاحظ آثار السياط على ظهرها فسألها عن السبب، فثارت في وجهه كنوع من الاستفزاز لأنها تريد منه أن يضربها قائلة له: «نعم كنت متزوجة من رجل هو خير منك أما وأبا وبيتا، لقد كان رجلا غيورا لا يرفع السوط عن ظهري، وليس رجلا خانعا مثلك»، فما كان من هشام طلبا للسلامة إلا أن طلقها.

ولا شك أن حفصة تلك كانت امرأة مصابة بالمرض النفسي الذي يسمى (بالماسوشية) - أي التلذذ بالعذاب - وتاريخنا الإسلامي يحكي عن رجال متضلعين (بالماسوشية) أكثر منها بمراحل. ولكي لا أطيل عليكم سوف أضرب لكم المثل بشيخ جليل يقال عنه: إنه من أعظم من عرف بالزهد والتقى والعلم، ألا وهو العلامة (أحمد الرفاعي) الذي توفي عام (578) بسبب نزيف حاد تعرض له جراء ضرب زوجته له. ذلك الشيخ كان مع الأسف (ماسوشيا) إلى درجة مفرطة، وكان رحمه الله متزوجا من امرأة تسفه عليه حياته وتؤذيه، وهو لا يفعل شيئا لإيقافها وردعها لإنقاذ نفسه عما تفعله به، وكأنه مستمتع و(مستمخ) بتعذيبها له. وعرف سلوكها هذا معه بين الناس.

وقد دخل عليه يوما أحد مريديه وهو في صحن المسجد يحدث تلاميذه، فهاله ما شاهده على ثيابه من بقع الدم المتجمد والسواد، فسأل من كان بجانبه عن السبب من ذلك، فهمس في أذنه قائلا: «إن زوجة الشيخ تضربه يوميا على كتفيه بأداة تستخدم لتحريك الجمر - أي (بالملقاط) - وهو ساكت لا يتحرك». فغضب الرجل وانزعج، وطالب الشيخ بأن يرأف بنفسه ويطلقها قائلا: «ليس لدينا من هو أكرم منك». فأجابه بابتسامة وادعة على محياه قائلا: «لولا صبري يا بني على ضربها ولسانها ما رأيتني في مقعد صدق، إن ذلك يمثل رياضة للنفس ما بعدها من رياضة، اخترتها لأوطن نفسي على الصبر والسكينة، هل فهمت؟!».

ويقال إن تلاميذه سمعوا يوما من منزله الملاصق للمسجد صراخ ولعلعة زوجته وهي تضربه ضربا مبرحا، ثم سمعوا صوته وهو يجهش بالبكاء، وزوجته تعايره لأنه يبكي قائلة له - ما معناه باللهجة المصرية الدارجة: «وكمان تبكي يا عرّة الرجالة؟!»، فأجابها بصوت متقطع: «أي والله أبكي رغما عن أنفك»، ثم أخذ يحثها ويتوسل لها أن تمعن في ضربه قائلا: «زيديني، زيديني»، (فتمعن) عليه أكثر إلى أن يتقطع جلده.

لا تسخروا من روايتي تلك، لأنني أعذر الشيخ الجليل على مواقفه تلك، لأنه بالقطع كان مريضا نفسيا، ولو أنه عاش في عصرنا الحاضر فلا شك أنه كان سيجد لحالته علاجا في المستشفيات المتخصصة في الأمراض النفسية، ثم ينتقل بعدها للتأهيل لمدة ستة أشهر تحت الملاحظة في ما يسمى (Rehab).

لا أدري هل وفقت اليوم في مقالي هذا، أم أنني كالعادة (ضارب الجادة الغلط)؟!

[email protected]