التعددية في أوروبا.. ليس أمرا مفروغا منه

TT

تمكنت خلال العقد الذي أمضيته عضوا في الهيئة التدريسية في مركز الأبحاث للعلاقات العرقية في جامعة وارويك، أن أكتشف قصة التعددية في أوروبا. فقد كانت تاريخيا أقل من أن تكون إيجابية. كانت القارة منذ قرون مضت متورطة في حروب دينية بين مختلف الجماعات التي تتفيأ تحت عباءة المسيحية. وكان اليهود والغجر وجماعات أخرى ضحايا للهولوكوست في القرن العشرين. وفي أقل من 20 سنة مضت، حدثت الإبادة الجماعية ضد مسلمي البوسنة، على التراب الأوروبي أيضا.

لقد توصل الأوروبيون إلى تفهم مدى صعوبة اكتساب التعددية وكونها ثمينة للاحتفاظ بها. وقد بدأت جذور التعددية الثقافية كبرنامج سياسي تتأصل عبر القارة خلال تسعينات القرن العشرين، وبدت لبعض الوقت الموقف الافتراضي لحكومات عديدة، إلا أن ذلك بدأ بالانحلال في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وقد لقيت التعددية الثقافية بعد انفجارات مدريد عام 2004، وانفجارات لندن عام 2005 ضربة ساحقة. ومع حلول الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر هذا العام، قدم بعض القادة أمثال ديفيد كاميرون في المملكة المتحدة، وأنجيلا ميركل في ألمانيا، ونيكولا ساركوزي في فرنسا، دلالات واضحة على اعتقادهم بأن التعددية الثقافية لم تعد هي الحل؛ بل إنها المشكلة. وليس من المحتمل أن ينسى الأوروبيون الحادثة التي جرت أوائل هذه السنة عندما ثار أندريس بريفيك ضد مواطني بلده. فقد تركزت دوافعه التي أعرب عنها بعد الهجوم على التعددية الثقافية.

كانت التعددية الثقافية في السنوات الأخيرة تدور حول السكان المسلمين في أوروبا بدلا من أن تكون حول قضية من التعددية أوسع نطاقا، سواء كانت من حيث الأقليات العرقية أو من حيث المهاجرين. ولكن الاهتمام الجوهري بالتعددية الثقافية كان من أجل إنشاء نهج سياسي، حيث ينصب الاهتمام بالتنوع ضمن المجتمع، بدلا من أن يخمد أو ما هو أسوأ من ذلك. ولعل نظرة نافذة على أوروبا منذ هجمات عامي 2004 و2005 تزودنا ببيانات رائعة يمكن أن يتم فيها تحديد الاتجاهات والأنماط، وهي بيانات يمكن أن تكون مدعاة للقلق، بينما تسير أوروبا نحو مستقبل حيث لا يتجه التنوع فيها إلى أي مكان.

لقد قامت «غالوب» بإجراء استفتاءات حول قضية الهجرة في أوروبا لعدة سنوات. كان أحد الأسئلة الرئيسية الموجهة ينص على ما يلي: «هل المدينة أو المنطقة التي تعيش فيها مكان جيد أم غير جيد للعيش بالنسبة للمهاجرين من بلاد أخرى؟». وقد كانت الإجابات عن هذا السؤال خادعة ومثيرة للاهتمام. فخلال السنوات الـ5 الماضية كان عدد الذين من المحتمل أن يجيبوا بـ«لا.. ليست مكانا جيدا»، قد ارتفع، أو أنه بقي في المستوى نفسه تقريبا. لم تكن تلك المستويات مشجعة بشكل خاص؛ ففي فرنسا مثلا كان من المحتمل أن يقول نحو 21 في المائة من الناس إن بلدهم ليس مكانا جيدا للمهاجرين، رغم أن فرنسا قد أعلنت النظام الجمهوري المدني العام، حيث ينبغي أن يتمكن أي شخص، نظريا، من أنحاء العالم كافة أن يصبح فرنسيا في حال التزامه بقيم معينة. وهذه النسبة هي نفسها في ألمانيا وبلجيكا، بينما ترتفع هذه النسبة فعليا في أنحاء أخرى من أوروبا. فالنسبة في إيطاليا وبولندا كانت 31 في المائة، وفي رومانيا 35 في المائة. ومن المحتمل أن يميل 51 في المائة من اليونانيين إلى القول إن اليونان ليست بلدا جيدا للمهاجرين، وهي نسبة ارتفعت بمقدار 20 نقطة مئوية تقريبا خلال السنوات الـ5 الأخيرة.

والوضع يدعو للقلق أيضا بالنسبة للأقليات العرقية مقابل المهاجرين، وبخاصة إذا ما استمرت الاتجاهات على مدى سنوات. ففي إيطاليا، على سبيل المثال، ارتفع بثبات عدد الذين يقولون إن بلدهم ليس مكانا جيدا للأقليات العنصرية/ العرقية، ففي هذه السنة يقول 27 في المائة من الإيطاليين الشيء نفسه، بينما بلغت النسبة منذ 5 سنوات مضت 19 في المائة. وفي بولندا تبلغ النسبة الحالية 34 في المائة، بينما كانت 27 في المائة عام 2006. ويقول 31 في المائة من المجريين إن بلدهم ليس مكانا جيدا للأقليات العرقية، وهي نسبة ارتفعت من 20 في المائة عام 2006. وفي اليونان يقول 54 في المائة إن بلدهم ليس مكانا جيدا للأقليات العرقية، وهي نسبة ارتفعت من كونها 33 في المائة نسبة مرتفعة بالفعل في عام 2006.

ومن الجدير ذكره أن هذه الأرقام لا تعتمد على مقابلات مع مهاجرين وأقليات عرقية فقط في هذه البلاد، بل قد غطت هذه الاستطلاعات السكان الأوروبيين بشكل عام. وتظهر عدة بلاد في أوروبا دلائل بأنها قد أصبحت أكثر تسامحا مع المهاجرين والأقليات العرقية، وفق البيانات التي تم تحليلها أعلاه.

ومن الصعب العثور على أوروبي لم يعترف بأهمية الدروس المستقاة من الهولوكوست المحرقة؛ فالمواقف الجذرية المناهضة للتعددية يجب أن لا يسمح بتأصل جذورها في أوروبا. ومع ذلك فقد جرت الإبادة البوسنية على عتبات أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ببضعة عقود فقط.

وفي الوقت الحالي لا تظهر المستويات في نطاق التنوع أي مظاهر للتحسن. فالحركات والجماعات التي تشارك بريفيك نظرياته حول أوروبا، إن لم تكن طرقه التكتيكية حول التغيير، ليست بقليلة. ويجب على المجتمعات الأوروبية أن تراعي الأمر، إذ كان صراع أسلافهم لحماية التعددية صعبا، ولا بد من حمايتها.

* استشاري ممارسات رئيسي ومحلل رئيسي في مركز «غالوب - أبوظبي»