ثلاثة عوامل كابحة لإيران في العراق

TT

هناك ثلاثة عوامل كابحة لإيران في العراق وهي: عراقية وعربية ودولية، وقبل الحديث عن هذه العوامل، لا بد من التأكيد على أن إيران اليوم تختلف تماما عن إيران في صيف عام 2007، عندما أطلق الرئيس الإيراني أحمدي نجاد تهديده الخطير، الذي أكد فيه استعداد إيران «لسد الفراغ في العراق في حال انسحبت القوات الأميركية – مؤتمر صحافي لنجاد في طهران بتاريخ 28 أغسطس (آب) 2007»، فبعد أربع سنوات من ذلك التهديد تغيرت الكثير من موازين القوى، باتجاه أصبحت فيه إيران حاليا أضعف بكثير وعلى مختلف الصعد، وهو ما نتناول تفاصيله في مناقشتنا للعوامل الثلاثة الكابحة لإيران في العراق.

العامل الأول: يتعلق هذا العامل بالداخل العراقي، وينقسم إلى اتجاهين، أحدهما يرتبط بفشل الأحزاب الطائفية في العراق وهي «الحزب الإسلامي العراقي وحزب الدعوة والمجلس الأعلى الإسلامي» التي عولت إيران كثيرا على دورها في المنظومة السياسية والحكومية، وبما يؤثر سلبا على المنظومة المجتمعية باتجاه تفتيت المجتمع العراقي وفق مخطط «التقسيم الطائفي»، ما يهيئ الظروف الداخلية لبقاء العراق ضعيفا، واتضح فشل هذه الأحزاب بقوة بعد الانتخابات الأخيرة التي جرت بتاريخ 7 مارس (آذار) 2010، وتزايدت وتيرة قناعة الشارع العراقي بعدم قدرة هذه الأحزاب على النهوض ببناء الدولة العراقية المحطمة، وأن زعاماتها منشغلة بنهب ثروات العراق الذي صنفته منظمة الشفافية الدولية في المرتبة الثالثة بين دول العالم، إذ لا تتقدم عليه سوى الصومال وأفغانستان، ويتقدم العراق اليوم الجميع بالأرقام الهائلة في حجم المبالغ المسروقة التي تقدر بمئات المليارات، من ميزانية تعد الأكبر في تاريخ العراق والثانية بين الدول العربية (مثلا ميزانية العراق لعام 2008 لوحده بلغت 100 مليار دولار) ويذكر الخبير النفطي العراقي دكتور علي المشهداني أن مدخولات الدولة العراقية منذ بدء تصدير النفط عام 1923 حتى عام 2003 لم تتجاوز الـ295 مليار دولار، أي أن ميزانية سنة واحدة لعام 2008 تبلغ ثلث واردات العراق على مدى تسعين عاما بالتمام والكمال، وبالمقابل لم يلمس المواطن العراقي أي أثر لهذه المبالغ الطائلة، بينما يتعلق بالمستوى المعاشي ومفصل الأمن والخدمات (العراقيون يعيشون من دون كهرباء منذ عام 2003 في حين صرفت مبالغ طائلة على هذا القطاع اعترف بها وزير المالية الحالي رافع العيساوي وقال: إن المبلغ تجاوز الـ80 مليار دولار).

أما الاتجاه الثاني الذي فك أي نوع من العلاقة مع الأحزاب الطائفية في العراق، فهو عدم قدرة هذه الأحزاب على الاتفاق مع الشركاء في العملية السياسية، ما ولد قناعة راسخة بعدم قدرة المنظومة السياسية بمجموعها، بعدم أهليتها لإجراء مصالحة وطنية تشمل جميع أطياف الشعب العراقي، لبدء مرحلة بناء حقيقي للدولة العراقية.

من هذا الفهم نعتقد أن اعتماد إيران على عامل الضعف الداخلي من خلال استمرار المنظومة السياسية والحكومية يعد انهيارا لهذا العامل الذي راهنت عليه إيران من خلال ربط المنظومة الأمنية بها بصورة مباشرة وغير مباشرة، وفرض هيمنتها على الغالبية العظمى من المنظومة السياسية، فقد تأكد فشل الحكومة في إنشاء منظومة أمنية مهنية ومحترفة، وعدم قناعة الشارع العراقي بالتشكيلات السياسية الحالية التي تصدرت العمل السياسي منذ تشكيل مجلس الحكم الانتقالي من قبل بول بريمر منتصف يوليو (تموز) عام 2003.

العامل الثاني: يرتبط بالموقف العربي من المشروع الإيراني، فبعد صمت أو تجاهل لسنوات طويلة حيال التدخل الإيراني الواسع في العراق، ارتفع صوت المملكة العربية السعودية خلال السنتين الأخيرتين، وحشدت معها دول الخليج العربية للوقوف بوجه التدخلات الإيرانية ليس في العراق فقط وإنما في المنطقة بأسرها، وجاء إرسال درع الجزيرة إلى البحرين ضمن اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي ليبعث برسالة قوية إلى القيادة الإيرانية، تحمل بين طياتها تحذيرا واضحا من تمادي إيران واحتمال تفكيرها بـ«سد الفراغ الأمني في العراق بعد الانسحاب الأميركي»، وبهذا الاتجاه يمكن تفعيل اتفاقيات جامعة الدول العربية، التي توجب الدفاع عن أي بلد عربي يتعرض لعدوان خارجي، ولا بد أن تضع القيادة الإيرانية كل ذلك نصب عينيها، ومن المعروف أن التطورات التي أشرنا إليها لم تكن مطروقة قبل أربع سنوات.

العامل الثالث: يرتبط بالموقف الدولي من إيران، بعد الكشف عن محاولة اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة، والإجراءات التي تم اتخاذها ضد مسؤولين إيرانيين يشغلون مناصب كبيرة في المخابرات الإيرانية وفيلق القدس، الأمر الذي وضع إيران تحت أنظار المجتمع الدولي، وينظر إليها العالم حاليا باعتبارها دولة مصدرة للإرهاب، اعتمادا على أدلة وشواهد تؤكد المخطط الإيراني الذي يندرج تحت بند «ممارسة الإرهاب».

أعتقد أن كل عامل من هذه العوامل الثلاثة، يحوز على قدر كبير من قوة الردع، بوجه أي تفكير بتنفيذ تهديد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بـ«سد الفراغ»، الذي تحدث عنه نجاد قبل أربع سنوات رغم انسحاب القوات الأميركية من العراق، وهو ما يتأكد الآن، حيث تجري عملية سحب ما تبقى من هذه القوات، بعد إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما ذلك في بيانه بتاريخ 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2011.

رغم ذلك قد يتحامق الحكام في إيران ويرتكبون «الخطأ الأكبر».

* كاتب عراقي