عود للشمس والقمر

TT

أثارت مقالتي عن الأزمة المالية في أوروبا وعلاقتها بالشمس تعليقات كثيرة من حضرات القراء. وهذا شيء مفرح ومشجع يذكرنا أن العقل العربي ما زال حيا ولم يمت. فمقالتي في الواقع كانت شاعرية أكثر مما كانت علمية. وكنت أرجو من ورائها تحريك المخ كما هو دأبي في معظم ما أكتب. فالمطلوب هو أن نفكر موضوعيا وعلميا بالعوامل الطبيعية والعملية التي تسهم في تكوين الظاهرة الاجتماعية والاقتصادية ولا نربطها بالخرافات والغيبيات والقدريات.

أشار الكثيرون ومنهم محمد أحمد من مصر وعبد الله عبد الرحمن من العراق وسامي البغدادي من كندا إلى الكثير من الأمثلة التي تنقض ما قلت. من ذلك أن الكثير من المناطق المشمسة كاليابان وكاليفورنيا قد حققت معجزات ومنجزات عظيمة. كما أن كثيرا من البلدان الباردة كروسيا ودول أوروبا الشرقية أخفقت في مساعيها. وقد أهداني الأخ البغدادي أغنية أم كلثوم «أنا بانتظارك» وينتظر الجواب مني. فإليك هذا الجواب.

الحقيقة العلمية والموضوعية أن منجزات الإنسان تتوقف على عوامل لا حصر لها. مثلا، أن من أسرار التطور الصناعي والاقتصادي المذهل لأوروبا الغربية وجود الفحم والحديد على مقربة من بعضها البعض. وأيضا وجود سواحل وأنهار صالحة للملاحة والنقل. نحن لدينا النفط ولكننا لم نكتشفه أو نستخرجه بأيدينا وفي إطار اقتصاديات السوق الحرة لنبدع في استثماره. وكما قلت هناك عوامل لا حصر لها في انطلاق الثروة والحضارة. يا أخ عبد الله، لماذا تعطيني مثلا بكاليفورنيا؟ بلدك العراق المشمس والحار نسبيا أنجز رغم ذلك تلك الحضارات القديمة المذهلة وعلّم البشرية كلها بما لم تعلم. ما ينبغي عليك الآن هو أن تسأل وتفكر بالسبب. لماذا وكيف أنجز سكان الرافدين وحوض النيل تلك الحضارة المذهلة وسبقوا كل البشرية في مضمار التطور والإبداع رغم شمسهم ومناخهم الحار ثم عجزوا كليا في أيامنا هذه عن إعادة سابق مجدهم وراحوا يتخبطون في الجهالات والتخلف رغم كل ما في بيوتهم من الثلاجات والمبردات ومكيفات الهواء؟ أبناء العراق اكتشفوا الحروف الأبجدية ووضعوا أسس الحساب والهندسة وعلم الفلك وغير ذلك من الممارسات العلمية. كيف وقعوا الآن في هذه الخزعبلات والممارسات البدائية والفجة، وراحوا يقتلون العلماء والأطباء والمفكرين؟ هل غيرت الشمس من سمتها فجننتهم؟

صديقنا مازن الشيخ وافانا بتعليق آخر يتحدى فيه النظرية الشمسية القشطينية. يقول إن اليابان بلد الشمس ومع ذلك فانظر لتقدمها ورخائها. الحقيقة يا سيدي أن لي في هذا الخصوص نظرية قشطينية أخرى. البلاد التي لها تراث قديم، مثل بلداننا العربية، تتعثر بتراثها الذي يقيدها ويقعدها عن اقتباس أو تطوير أي شيء جديد فتعتبره بدعة وكل بدعة في النار. سر ازدهار اليابان أنها لم يكن لها أي تراث عندما شرعت بمسيرتها. لم يكن عندهم أي دين. فراحوا يفتشون ويسألون عن دين جدير بالاقتباس. تحررها من القيود سر نجاحها.