الأمير سلمان.. وفاء وسياسة

TT

أيام سعودية حافلة بالأحداث، فمن رحيل الأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله، إلى تعيين الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد، ثم إسناد وزارة الدفاع للأمير سلمان بن عبد العزيز. كل ما سبق كان تحت إدارة الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي سطر أسمى معاني الأخوة والوفاء تجاه أخيه الراحل الأمير سلطان، كما كان الملك رمزا للحكمة وهو يرتب شؤون البيت السعودي الداخلي بهدوء وسط منطقة متلاطمة، وبشفافية، إلى أن قرر المليك إسناد وزارة الدفاع للأمير سلمان بن عبد العزيز، وهو ما استقبله السعوديون بتقدير وارتياح.

فالأمير سلمان ليس أمير الوفاء وحسب، كما يلقبه السعوديون، نظير وفائه لإخوانه، وتحديدا وفاءه الكبير لأخيه الراحل الأمير سلطان، رحمه الله، طوال فترة علاجه بالخارج، فالأمير سلمان أيضا رجل إدارة، وسياسة، وحنكة، ورؤية واضحة للقضايا، حتى المعقد منها، داخليا وخارجيا، وينطلق من أخلاقيات حقيقية، فهو ليس ممن يتلحفون بمقولة إن للسياسي أن يراوغ، بل يرى أن على السياسي أن يراعي مصالح شعبه ووطنه، وقبل كل ذلك مخافة الله.

عرف الأمير سلمان السعودية بكل تفاصيلها، من خلال مرافقته لملوك السعودية، وعبر إمارة الرياض، وولعه الشهير بالتاريخ، وانفتاحه على الجميع، فكثيرا ما سمعته يتحدث عن أهمية «زكاة الجاه»، وهي عنوان سلمان المحب للأعمال الإنسانية. وقربه من الناس قصة أخرى، ففي مجلسه بجدة مثلا، وليس الرياض، تتعجب من معرفته لتفاصيل المدينة وأُسرها، والأمر نفسه بمكة المكرمة، والمدينة المنورة، وغيرهما. وللأمير سلمان علاقات وثيقة بالخليج، حكاما وأُسرا، وإذا ما تحدث عن مصر فإنك تعتقد أنه متخصص بالشأن المصري، والأمر نفسه حول العراق، ولبنان، وبشكل مذهل. أما علاقاته مع الغرب فهي شعلة لكل ما يخدم السعودية، فهو من طاف العالم بمعرض المملكة بين الأمس واليوم، ومن قدر له مرافقة الأمير سلمان برحلات خارجية، يعي تماما ما هي صورته بالخارج.

من المواقف الشهيرة للأمير سلمان النقاش الذي دار بينه وبين الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أثناء زيارته للسعودية، يومها كان النقاش حول تاريخ البلدين، حيث قال الأمير لبوش إن ما يوحد أميركا كدولة هو الديمقراطية، وما يوحد السعودية كدولة هو العقيدة، فكان رد فعل بوش أن الأمير لخص تاريخ البلدين بشكل مذهل. ورغم اعتزاز الأمير سلمان ببلاده ومكانتها، الدينية والسياسية، فإن لا مكان للغرور برؤيته تلك. ففي زيارته للنرويج، وأثناء نقاشه مع وزير خارجيتها حول الدور السعودي قال الأمير: «اسمح لي أن أقول بلا غرور: السعودية لا تسعى لدور، وإنما الدور هو الذي يسعى وراءها»، مضيفا أن السعودية لا تسعى خلف الشعارات البراقة، وإنما العمل الجاد، فقيل للأمير إن الأشياء البراقة جيدة أحيانا، فرد الأمير: «لا يلمع البرق إلا إذا كانت السماء مليئة بالسحب». فضحك مضيفه قائلا: «لا أملك إلا أن أتفق معكم يا سمو الأمير»!

وعليه؛ فهذه لمحة من فكر الأمير سلمان الذي حظي بثقة مليكه، وتقدير الشعب السعودي.

[email protected]