فلسطين وأميركا واليونيسكو

TT

أصبحت اليونيسكو يوم الاثنين الموافق 31 أكتوبر (تشرين الأول) أول منظمة تابعة للأمم المتحدة تعترف بفلسطين كعضو كامل العضوية لتكون الدولة رقم 195 في تلك المنظمة، الأمر الذي أثار الولايات المتحدة الأميركية في الحال ودفعها إلى أن تعلن عن التوقف عن دفع مبلغ الـ80 مليون دولار الذي تقوم بدفعه سنويا إلى الوكالة الثقافية. وفي تحد للضغوط الدبلوماسية التي تمارسها الولايات المتحدة وإسرائيل، قامت 107 دول تابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم بدعم الطلب الفلسطيني. ولم تصوت سوى 14 دولة فقط ضد عضوية فلسطين فيما امتنعت 52 دولة عن التصويت.

ومما يدعو للدهشة أن فرنسا أيدت هذا القرار، بينما امتنعت بريطانيا عن التصويت وكانت الولايات المتحدة وإسرائيل وألمانيا من بين الدول التي رفضت انضمام فلسطين.

وقال محمد أشتية، المستشار البارز للرئيس الفلسطيني محمود عباس: «أعتقد أن المجتمع الدولي أعلن عن موقفه صراحة، فهناك ما يزيد على مائة دولة ترغب في رؤية دولة فلسطينية مستقلة كما ترغب في نهاية الاحتلال وتتطلع إلى رؤية فلسطين عضوا في المنظمات الدولية».

وقد أشارت المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو إلى الدور الأميركي السلبي في خطابها.

وذكرت أن الاعتراف بدولة كعضو جديد في المنظمة دليل على الاحترام والثقة، «وينبغي أن تكون هذه فرصة لتقوية المنظمة لا إضعافها، وفرصة للجميع حتى يلتزموا مرة أخرى بالقيم التي نتشارك فيها ولا ينبغي أن ننقسم. دعوني أكون أكثر صراحة، إنه من مسؤوليتي كمديرة عامة للمنظمة أن أذكر أنني أشعر بالقلق حيال التحديات المحتملة التي قد تؤثر على الاستقرار المالي للمنظمة وعالميتها.

وأخشى أننا قد نواجه موقفا قد يعمل على تقوض اليونيسكو كمنظمة عالمية للحوار. كما أخشى على استقرار ميزانيتها. من المعروف أن التمويل الذي نحصل عليه من الولايات المتحدة، التي تعد أكبر المساهمين لدينا، معرض للخطر.

وأعتقد أن مسؤوليتنا جميعا هي أن نتأكد من أن اليونيسكو لن تعاني كثيرا نتيجة لذلك».

من ناحية أخرى، فقد ذكرت سوزان ريس، مبعوثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة أن «التصويت على منح فلسطين عضوية اليونيسكو ليس بديلا عن عقد مفاوضات مباشرة، إلا أنه بالغ الضرر بالنسبة لليونيسكو.

لقد حذرنا اليونيسكو على مدار أسابيع أن قطع التمويل الأميركي سيكون نتيجة حتمية إذا ما وافقت المنظمة على منح الفلسطينيين عضوية كاملة فيها».

ويرى الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس الأميركي أن وجود دولة فلسطينية في الأمم المتحدة وسيلة للتحايل على المطلب الإسرائيلي الذي يدعو إلى العودة إلى مباحثات مباشرة للتفاوض بشأن اتفاقية السلام.

وذكرت كاي غرانغر، رئيسة اللجنة الفرعية الخاصة بمخصصات العمليات الخارجية في مجلس النواب، في بيان لها: «أعتقد أن الإدارة ستقوم بتطبيق القانون الحالي وستمنع مساهماتها لليونيسكو وأي منظمة أخرى تابعة للأمم المتحدة تُمكن الفلسطينيين من اتباع طريق مختصر لتحقيق عملية السلام».

ويبدو أن باراك أوباما وإدارته تغيروا كثيرا. وفي الواقع، إننا نشهد تغيرا حقيقيا في موقف أوباما. هل نسي الخطابات التي ألقاها في القاهرة وإسطنبول؟ الآن يمكننا أن نقول إن أوباما يتبع خطوات ريغان، الرئيس الأميركي السابق. وهذا شيء غريب؛ فقد كان جورج بوش، الابن، هو الذي أعاد الولايات المتحدة إلى اليونيسكو بعد عشرين عاما من انسحاب ريغان منها. ومن المفارقات الغريبة أيضا أن باراك أوباما هو من يقود المحرك في هذا القطار الدبلوماسي الخرب، رغم أن الخطابات التي ألقاها في تركيا ومصر خلال الأشهر الأولى من توليه الرئاسة أشارت، بطريقة مخادعة، إلى بداية جديدة للعالم الإسلامي.

بيد أنني قد أكون مجحفا إن لم أذكر أن الرئيس الأميركي جورج بوش، الابن، انضم إلى المنظمة عام 2002 بعد قيام ريغان بسحب الدعم الأميركي للمنظمة عام 1984. عندما انتقد أجندة المنظمة التي كانت تعادي الأسواق الحرة وحرية الصحافة علاوة على البيروقراطية المتضخمة فيها. وجدير بالذكر أيضا أن بوش قام بهذا الإعلان في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو ما يتم ربطه في المقام الأول بقضية التدخل العسكري في العراق. وقال بوش: «لقد حدث إصلاح في هذه المنظمة وسوف تساهم أميركا بشكل كامل في دور المنظمة لتعزيز حقوق الإنسان وقيم التسامح والتعلم».

وكانت إدارة ريغان قد انسحبت من اليونيسكو عام 1984 نظرا لأن المنظمة أصبحت ذات طابع سياسي بدرجة كبيرة. فعندما انسحبت الولايات المتحدة، تركزت برامج اليونيسكو والمناقشات التي تدور بها حول قضايا نزع السلاح و«الحقوق الجماعية» وغيرها من الأفكار التي اعتقدت واشنطن أنها تتعارض مع الاختصاص الأصلي للمنظمة. علاوة على ذلك، فإن تلك الأنشطة، التي قادتها الكتلة الشرقية ودول العالم الثالث، كانت تعادي كلا من الأسواق الحرة وحرية الصحافة. وأصبحت اليونيسكو وكرا للاضطرابات بسبب نظام الاتصالات والمعلومات العالمي الجديد (NWICO)، الذي يصدق على منح الحكومات تراخيص للمراسلين.

كما انتقدت إدارة ريغان البيروقراطية البالغة لليونيسكو.

وفي أغلب الأحيان تتحدث أميركا عن حقوق الإنسان، وتؤكد على قيم الحرية والقيم الإنسانية، وحتى الآن تحاول أميركا أن تقدم نفسها على أنها العدو الأول لمبارك والقذافي!

وبينما تحاول أميركا باستماتة أن تخفي وجهها الحقيقي، إلا أنه يمكننا أن نرى الهوية الأميركية الحقيقية من خلال التركيز على القضية الفلسطينية. لأنه ما من مجال للنفاق في هذه القضية الحساسة، كما أنه ما من مجال للمعايير المزدوجة أو الكيل بمكيالين. من الواضح أن إدارة أوباما تولي اهتمامها، فقط، إلى الانتخابات الرئاسية القادمة. وهم يعلمون الدور القوي لإسرائيل واللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية. وقد كتب توماس فريدمان، مؤخرا: هناك مجموعتان في الولايات المتحدة؛ المجموعة الأولى تتمثل في إدارة أوباما والجمهوريين، وكلاهما يقوم بإدارة الانتخابات الجديدة ويولي اهتماما شديدا لها، أما المجموعة الأخرى فهي الشعب الأميركي الذي يواجه مشاكل وصعوبات خاصة، وتتسع الفجوة بين الحكومة والشعب يوما بعد يوم. كما أن هناك فجوة أخرى بين العالم الإسلامي وإدارة أوباما.

إن أميركا تتصرف وكأنها الأب الروحي لإسرائيل. وقد تكون إسرائيل هي الأب الروحي للإدارة الأميركية والكونغرس الأميركي. وهو ما يعني أنه في بعض الأحيان تكون كلمات أوباما لصالح المسلمين، تماما مثلما كان خطابه في القاهرة، إلا أن أفعاله دائما ما تكون لصالح إسرائيل. وهذا يعني أن هناك فجوة كبيرة بين الجانبين، وهذا مبرر جيد لكل المتعصبين حتى يقوموا بتبرير أفعالهم. وهذا هو السبب الرئيسي وراء فشل أميركا في العراق وأفغانستان.

لنتخيل أن موقف إدارة أوباما من التصويت كان مشابها لموقف فرنسا، لكان هذا بداية لأميركا جديدة، ولكان هذا هو التغير الحقيقي الذي وعد به أوباما.