من الذي خسر العراق؟

TT

كان الرئيس الأميركي، باراك أوباما معارضا رئيسيا للحرب على العراق منذ بدايتها. إلا أنه عندما أصبح رئيسا للبلاد في يناير (كانون الثاني) عام 2009، تسلم حربا كان قد تحقق النصر فيها. فقد حققت زيادة عدد الجنود نجاحا هناك. كذلك انهزم تنظيم القاعدة في العراق كليا، حيث تعرض إلى هزيمة مخزية على يد مجموعات الصحوة السنية في الأنبار الذين قاتلوا جنبا إلى جنب مع الأميركيين. والأبرز من ذلك هزيمة قوات رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي للجماعات الشيعية المسلحة بدعم من الولايات المتحدة. وسحق الجماعة المسلحة التابعة لمقتدى الصدر من البصرة وحتى مدينة الصدر.

وقد تم تدمير تنظيم القاعدة. كما اتبع رئيس الوزراء الشيعي خطا وطنيا حاسما. كذلك فإن العراقيين السنة أبدوا استعدادا للاندماج في الحكومة الوطنية الجديدة. ووصلت الخسائر الأميركية إلى أدنى معدل لها منذ بدء الحرب. ومع اقتراب الانتخابات، لم يبق أمام أوباما سوى مهمة واحدة هي التفاوض بشأن اتفاقية وضع القوات لتعزيز تلك المكاسب وخلق مشاركة استراتيجية مع الدول الديمقراطية في العالم العربي. لقد نسف المفاوضات، تماما كما حدث الشهر الماضي، ولم يعد هناك اتفاقية أو مشاركة استراتيجية، وسيرحل الوجود العسكري الأميركي عن العراق في 31 ديسمبر (كانون الأول).

إن الوقت لم يخن أوباما، فقد كان أمامه ثلاث سنوات للاستعداد لهذا الأمر، كما أن جميع الأطراف، العراقية والأميركية، تعلم أن اتفاقية وضع القوات التي تم إبرامها عام 2008 تنص على أن الانسحاب الأميركي الكامل سيخضع للتفاوض. كذلك فإن جميع الأطراف الرئيسية (فيما عدا جماعة الصدر) لديها مصلحة ما في بقاء بعض القوات الأميركية في العراق، مثل عمليات نشر القوات بعد انتهاء الحرب في اليابان وألمانيا وكوريا.

وخلال الثلاث سنوات، حدث إخفاقان كبيران؛ الأول يتمثل في عدم قدرة الإدارة على خلق ائتلاف قومي مركزي تحكمه الكتل الرئيسية - إحداها ذات غالبية شيعية (المالكي)، والأخرى ذات غالبية سنية (إياد علاوي)، والثالثة ذات غالبية كردية والتي فازت من بين تلك الكتل بأغلبية وصلت إلى «69 في المائة» من مقاعد البرلمان عام 2010.

وتم إيكال تلك المهمة إلى بايدن، نائب الرئيس الأميركي، إلا أنه فشل فشلا ذريعا. وانتهى الأمر بأن يحكم الحكومة ائتلاف طائفي يتولى رئاسته مجموعة صغيرة نسبيا من أعوان الصدر، العميل الإيراني (بنسبة وصلت إلى 12 في المائة).

أما الفشل الثاني فهو اتفاقية وضع القوات نفسها، فقد اقترح القادة الأميركيون بقاء 20.000 جندي، وهو ما يعد أقل بكثير من الـ28.500 جندي الذين واصلوا وجودهم في كوريا والـ40.000 جندي الذين ظلوا في اليابان والـ54.000 جندي الذين ظلوا في ألمانيا. وقد رفض الرئيس تلك المقترحات واختار بقاء عدد يتراوح بين 3.000 و5.000 جندي فقط.

هذا الانتشار الصغير الهزلي سيضطر إلى توسعة كل طاقاته لحماية نفسه - من المصير المأساوي في لبنان عام 1982 - دون قدرات حقيقية لتدريب العراقيين، وبناء قوتهم العسكرية المزودة بأسلحة أميركية، والتوسط في النزاعات العرقية (كما فعلنا بنجاح، على سبيل المثال، بين العرب والأكراد) وتشغيل نظام مراقبة وقواعد عمليات خاصة وتأسيس نوع من العلاقات العسكرية - العسكرية التي تدعم أقوى حلفائنا.

كان مقترح أوباما إشارة إلى الجدية لا يمكن إغفالها، فقد بات واضحا أنه يرغب ببساطة في ذلك، تاركا أي عراقي متمسك بموقف مؤيد للولايات المتحدة عرضة للنفوذ الإيراني وربما القتل. وتم تلقي الرسالة. فهذا الأسبوع فقط، قام مسعود بارزاني زعيم الأكراد - وأقوى حليف للولايات المتحدة خلال عقدين - بزيارة إلى طهران لتقديم فروض الولاء لكل من الرئيس محمود أحمدي نجاد وآية الله خامنئي.

لم يكن ينبغي أن يجري الأمر على هذا النحو، فلا ينبغي أن نتجاهل أصدقاءنا بصورة تدفعهم لطلب الحماية من إيران. فقد أعطت ثلاث سنوات وحرب انتصرنا فيها أوباما الفرصة لإقامة تحالف استراتيجي دائم مع ثاني أهم قوة في العالم العربي. لكنه فشل، على الرغم من المحاولات القوية، وعذره في ذلك رفض العراقيين منح الحماية القانونية للقوات الأميركية، لكن إدارة بوش واجهت ذات المشكلة وتغلبت عليها. ولم يكن لدى أوباما سوى رغبة محدودة في ذلك. حقا، إنه يصور الانسحاب على أنه نجاح وإنجاز لوعده الذي قطعه أثناء الحملة الانتخابية.

لكن المؤكد هو أن الالتزام بالدفاع عن أمن ومصالح البلاد يعلو على المصالح الشخصية. لقد عارض أوباما الحرب لكنه عندما أصبح القائد الأعلى كان الثمن الأغلى قد دُفع بالدماء والمال. والتزامه هو أن يقدم نصيبه من تلك التضحية لتأمين المكاسب الاستراتيجية التي حققتها تلك التضحية بالفعل.

لكنه لم يفعل، وفشل تحديدا فيما امتدحت إدارته نفسها بأنها قامت به على أكمل وجه، وهو الدبلوماسية. فبعد سنوات من القوة الشرسة الخرقاء كان يفترض بأوباما ألا يقود قوة ناعمة أو قوة صلبة بل قوة ذكية.

وهو ما اتضح في العراق أنه لم يكن. فبعد سنوات من الآن سنظل نسأل «من الذي خسر العراق؟»، وهو أمر واضح تماما، لكن «لماذا؟».

* خدمة «واشنطن بوست»