الدين والسياسة

TT

تولى أول تنظيم للمجتمع الكاهن/ الساحر الذي اعتقد الناس أنه يستطيع أن يدير كل شيء، بيد أنهم اكتشفوا عجزه عن ذلك بعد توسع المجتمع وتعدد متطلباته، فظهر بينهم من تميز بالقوة والفطنة وأخذ على عاتقه تولي أمور المجموعة.. إنه رجل السياسة المتفرغ للحكم، الملك، ولكنه أدار شؤون الشعب بالتعاون مع الكاهن والاعتماد عليه، غير أن وجهات نظر ومصالح مختلفة لدى الاثنين كثيرا ما أدت إلى منازعات بين المعبد والبلاط.. ظهر بذلك النزاع بين الدين والدولة بما تسبب عنه مآس ومشكلات خطيرة، بما فيها حروب دامية خلال القرون الوسطى والأخيرة.

شعر الأوروبيون بخطورة هذا النزاع والتناقض، فسعوا إلى فصل الدين عن الدولة، ولا سيما بعد توسع الدولة، بما أسفر عنه تعدد الأديان والطوائف والقوميات بين سكانها، ثم الإيمان بحقوق الإنسان وحرياته. وكما سبق وقلت، إننا ما زلنا نعيش في مرحلة القرون الوسطى، ويخوض الآن الإسلامجية من أتباع الإسلام السياسي ذات المعركة التي خاضتها أوروبا قبل قرون، للقبض على صولجان الحكم وإدارة البلاد وفق أفكارهم، وبالطبع سيخسرون هذه المعركة في الأخير، وإذا لم يخسروها فقل على العالم الإسلامي السلام، ولكنهم أثناء ذلك سيسببون الكثير من الضرر والموت والخراب رأينا صورا ونماذج كريهة منه في الآونة الأخيرة، ولا سيما في مصر والعراق وأفغانستان.

أصبح وجود الإخوان المسلمين ودعاة الإسلام السياسي عقبة نحو تحرر الشعوب العربية وتخلصها من الظلم والفساد، فمن المعروف أن حسني مبارك وسواه فرضوا ديكتاتوريتهم على الشعب بداعي حمايته منهم، كما أن الدول الكبرى ترددت في دعم الانتفاضات وتشككت في الربيع العربي خوفا من أن يكون البديل حكم الإسلامجية، ولربما نكتشف أن هذا من أسباب تردد الغرب في التدخل العسكري في سوريا، وحتى الأقلية المسيحية والكردية ترددت في دعم الثورة.. وصل الحال إلى الاقتراح بأن تبعث أميركا بجنودها لحماية المعابد في مصر، ومن الواضح أنه إذا وقعت مذابح أو حروب طائفية خطيرة فستضطر الدول الكبرى للتدخل وحكم البلاد، كما جرى في يوغوسلافيا، وهكذا سيسجل الإسلامجية هدفا على فريقهم.. بدلا من طرد الاستعمار سيأتون به.

وحتى في هذه المرحلة الانتقالية من الربيع العربي، رأينا صورا سيئة من التطرف الإسلامجي في ليبيا وتونس ومصر، من ذلك أنهم منعوا اليهود في طرابلس من فتح كنيسهم فيها.

على دعاة الإسلام السياسي أن يراجعوا تفكيرهم جيدا.. عليهم أن يسألوا أنفسهم: أهناك حقا أي إمكانية لتطبيق الشريعة في بلادهم؟ أفلا يؤدي ذلك إلى تمرد الطوائف غير المسلمة وانسلاخها على نحو ما حصل في السودان؟

أليس من الأصلح لهم قبل أن ينقلب الجمهور عليهم ويهجر مفكروهم وعلماؤهم أرضهم، أن يتركوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فيركزوا على تعميق الإيمان وخدمة الإنسان وتشجيع العبادة بين الناس ومكافحة المخدرات والدعوة للمحبة والسلم؟