مخاوف المصريين.. كبيرة وصغيرة

TT

القاهرة - كيف تغيرت الحياة في مصر منذ الثورة؟ وما الذي سيحدث في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى خلال الشهر الحالي؟ أسئلة سألتها الأسبوع الماضي في حي فقير من أحياء القاهرة وهو حي عين الصيرة، وتضمنت الإجابات تحذيرا مفاده: يجب أن تمنح مصر الجديدة أبناءها الأمن والأمان والتقدم عما قريب، وإلا ستكون العاقبة وخيمة. تقول نشوى مصطفى، وهي سيدة ودودة تتشح بالسواد وتجلس مع أربع من زميلاتها في مركز تدريب مهني: «إن ما نشهده هو الأسوأ منذ اندلاع الثورة، فلا يوجد أمان أو شرطة». وهي تأمل من خلال تعلم الخياطة زيادة دخلها الذي يبلغ نحو 70 دولارا شهريا. وتشعر نشوى بالقلق من غياب القانون وتلزم بيتها ليلا، وتوافقها زميلاتها الأربع المرتديات الحجاب بهز رؤوسهن. «اسأل هؤلاء النسوة من اللائي يعتزمن التصويت له في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ليقلن لك على الفور إنه يسري بيومي، مرشح الإخوان المسلمين الذي يعيش بالقرب منهن». وتقول نشوى عن الإخوان المسلمين: «إنهم محترمون بالطبع». لكنهن يتشككن في الجماعات الإسلامية السلفية المتشددة، حيث تقول إحداهن: «لم نسمع عنهم إلا بعد الثورة». وتقول رضا محمد، سيدة أكبر سنا تعلم الخياطة بماكينة الخياط، بهدوء إنها تفتقد الرئيس السابق مبارك الذي تم إجباره على التنحي في فبراير (شباط) الماضي، وتهمهم قائلة: «لا يوجد أمان في مصر حاليا. ليت مبارك يعود».

إن هذه عينة من حي فقير قاتم بأزقته الضيقة، حيث اللون الوحيد هو لون الملابس المعلقة على حبال الغسيل. آتي إلى هنا مع مجموعة مناهضة للفقر اسمها «من أجلك يا بلدي» التي تقدم برامج تدريب مهني وتمنح قروضا صغيرة. نتعثر أثناء مرورنا عبر الشوارع الترابية في شاة اقترب موعد ذبحها في عيد الأضحى. ما سبب الأداء الأمني البائس؟ وبحثا عن إجابة لهذا السؤال، اتجهنا سيرا على الأقدام إلى أحد أقسام الشرطة القريبة. كان أفراد الشرطة يوما ما ممتلئين بالغرور والتكبر إلى أن كسرت شوكتهم مظاهرات ميدان التحرير. إنهم مكروهون الآن واختفوا بعارهم. وفشلت الحكومة الانتقالية التابعة للمجلس العسكري في إعادة تنظيمهم. قسم شرطة عين الصيرة خاو على عروشه باستثناء رجل يرتدي ملابس بيضاء اسمه هاني سلامة يوسف. وعندما سألناه عن سبب اختفاء زملائه، طأطأ رأسه، وقال: «نحن محبطون. عندما نذهب لحماية الناس، لا يحترموننا». يبدو أن أفراد الشرطة يضربون عن العمل، مثلهم مثل الجميع في مصر هذه الأيام. من الخمسة عشر طلبا التي تقدموا بها هي ممارسة المسلمين حقهم في إطلاق لحاهم. من هذا الحي الفقير ذي الأزقة الترابية، فلنعد بعدسات الكاميرا إلى القادة السياسيين الذين يحاولون التحدث إلى أمة بدأ صبرها على المجلس العسكري ينفد.

وقمت بزيارة محمد البرادعي وعمرو موسى، وهما اثنان من الشخصيات السياسية البارزة في مصر، وقد اتفق كل منهما على أنه يتعين تسليم السلطة إلى سلطة مدنية في أقرب وقت ممكن، ولكنهما اختلفا بشدة حول الأولويات، حيث قال البرادعي: «الوضع فوضوي بنسبة مائة في المائة، وتسير الأمور من سيئ إلى أسوأ. يعتقد الناس أن هذه الثورة كانت تنشد الحرية والاحتياجات الأساسية، ولكنهم لم يروا أيا من ذلك». وقال البرادعي إن الجيش موجود في السلطة، ولكن «ليس لديه فكرة عن كيفية إدارة البلاد».

وقد أعلن البرادعي عن استعداده لشغل منصب رئيس الوزراء في الحكومة الائتلافية التي يتمنى أن تفرزها الانتخابات، مضيفا أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إعادة الوحدة التي كانت موجودة في ثورة التحرير. إن الهدف هو الحصول على ما يكفي من الوقت والاستقرار لصياغة دستور دقيق يضمن الحريات الأساسية ويبقي على مصر دولة «مدنية». وقال المرشح للانتخابات الرئاسية والحائز على جائزة نوبل للسلام: «الديمقراطية ليست كوبا من القهوة يتم عمله في التو واللحظة».

وعلى الطرف الآخر، يريد موسى أن يتحرك بسرعة أكبر؛ إلى الانتخابات الرئاسية بحلول منتصف عام 2012، بعد أشهر قليلة من تشكيل البرلمان الجديد. ويعد موسى بالفعل أبرز المرشحين للرئاسة، ويدير حملة شعبية تحاول تقديم الخدمات لكل دائرة انتخابية. ويقف موسى مع الإخوان المسلمين - وضد البرادعي – في ما يتعلق بصياغة دستور سريع يحتفظ بالمادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ولكنها تؤكد في الوقت نفسه على حقوق الأقليات. وقال وزير الخارجية المصري السابق: «إنه مشوار شاق للغاية، ولكن يجب أن يبدأ على الفور».

ثمة مثل شعبي لاتيني قديم يقول: «أبطئ من عجلة السرعة». ويعد هذا المثل بمثابة وصفة سحرية لمصر في هذه المرحلة. ويمكن لرئيس وزراء قوي أن يلم شمل البلاد ويجعلها تتحرك مرة أخرى، في الوقت الذي يتم فيه كتابة دستور جديد في البلاد. إن صياغة دستور بصورة سريعة وعاجلة سيكون خطأ كارثيا.

* خدمة «واشنطن بوست»