تجدد العنف في الشرق الأوسط

TT

«حين تقترب من مدينة كي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف»، النص السابق من التوراة، ولا أريد أن يفهم القارئ أن إسرائيل، القائمة اليوم في ظهرنا، تتبع تلك النصوص بالحرف، ولكنها تستوحي تلك النصوص وتضعها في أثواب حديثة وتخضعها لقانون جائر.

صحيح أن كثيرا من المحللين ذهبوا إلى فكرة مفادها أن «ربيع العرب» في المدن العربية والمنتفضين في شوارعها، لم تكن قضية فلسطين على رأس شعاراتهم، كما فعل العسكر العرب قبل نصف قرن، حيث ركبوا الدبابات في ادعاء أنهم ذاهبون إلى تحرير فلسطين عن طريق الاستيلاء على الحكم بالقوة. ولكن الصحيح الثاني، أن أهل الربيع العربي انتفضوا بسبب المظلومية التي وقعت عليهم من أنظمتهم التي لم تبخل أيضا بإقامة الهدنة الطويلة مع إسرائيل، أو حتى بالسلام معها واستقبال مبعوثيها.

إذا كانت المظلومية هي الذخيرة التي فجرت كل هذا الاضطراب في ربيع العرب، فإن العرب يشعرون بمظلومية أكبر وأشد تجاه ما تقوم به إسرائيل في المناطق المحتلة، إنه ظلم بيّن، واحتقار صريح لإنسانية الفلسطيني، وازدراء للقيم الإنسانية، سواء كان في الضفة أو القطاع. إذا وضعنا تلك الأسباب مع بعضها فلا يستبعد عاقل أن تتوجه الأنظمة الجديدة التي تخرج من ربيع العرب إلى النظر في مظلومية الفلسطينيين بطريقة أكثر جدية مما سبق، بعد أن استنزف العرب كل جهدهم المسالم في إيجاد مخرج ولو ضئيل من هذه المظلومية التاريخية وإعتاق الفلسطيني من السيف الإسرائيلي الحديث.

ربما في إسرائيل درس الموضوع بشكل أكثر واقعية، فتوقيت الاتفاق على إخراج شاليط من سجنه في غزة ومبادلته بأكثر من ألف فلسطيني، مقرونا بحديث لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أن التوقيت مهم، حيث لا يمكن أن تتهيأ هذه الفرصة ثانية، كل هذا يدل على أن التوقع الإسرائيلي بأن تتوجه الذخيرة العربية الغاضبة التي أنتجت الربيع، إلى فك المظلومية الأهم والأكبر في تاريخ العرب الحديث، وهي الصلف والقهر القائم في الاحتلال الإسرائيلي.

من جهة أخرى، ما زالت الإدارة الأميركية مقيدة بقيود ثقيلة جراء المصالح الانتخابية التي تجعلها تحجم عن دفع إسرائيل برفع ولو جزء من المظلومية عن الفلسطينيين. هي في الحقيقة تنظر إلى مكان آخر، لا توجد فيه العلة وتصف دواء هو ليس الدواء المطلوب. فمؤخرا أعلنت الولايات المتحدة أنها تنشئ وكالة تنسيقية مع دول الربيع العربي، وأنها أيضا مستعدة أن تتعامل مع ما تنتجه الانتخابات في أي من تلك الدول من سلطات. هذا هو بالضبط النظر في مكان آخر من زاوية المشكلة، وليس إلى لب المشكلة التي أرقت هذا الشرق الأوسط المضطرب لأكثر من نصف قرن، وربما تؤرقه لنصف قرن آخر.

الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين لا يحتملها أي ضمير يقظ، وإن كان لها مبرر سياسي فإن مبررها الأخلاقي قد انتفى منذ زمن. قيل في التاريخ الحديث إن إنشاء إسرائيل كوطن قومي لليهود، هو إنقاذ لهم من الهولوكوست الذي أصابهم في أوروبا وفي ألمانيا بالذات، ولكن الذي حصل أن هولوكوست آخر بمسميات مختلفة وبأثواب لها ألوان أخرى، قد وقع على الفلسطينيين. وعلى الرغم من كل التنازلات التي قدمها هذا الشعب العربي، وعلى ضخامة التضحيات، فما زال يعاني من الهولوكوست الجديد.

قال الفلسطينيون إن كل فلسطين التاريخية لهم، ثم أصبحوا في العقود الثلاثة الأخيرة مجمعين على أخد جزء من فلسطينهم (الضفة والقطاع) لإقامة دولة تحمي مصالحهم الإنسانية. حتى هذه لم تتحقق، بل على العكس، ازداد اليمين الإسرائيلي في تعنته، وازدادت الإدارة الأميركية في تجاهل الأسس التي تضمن الحرية والعيش الكريم لجميع الشعوب ومنها الشعب الفلسطيني.

من تلك المقدمات، فإن دول الربيع العربي سوف تلتفت إلى الموضوع الفلسطيني كما لم يلتفت له من قبل، والدول العربية الأخرى ستكون أيضا في ذلك القارب. فاحتمال تجدد العنف في الشرق الأوسط هو احتمال قائم، بعد كل هذه الحفلة الاستبشارية الغربية بربيع العرب. فالديمقراطية تعني صوت الناس، وصوت الناس في بلادنا هو مع إخوة لهم في القرى والمدن الفلسطينية التي يعاني سكانها العذاب اليومي على مر اليوم بطوله والأسبوع والشهر والسنة. يزيد من كل ذلك توسع هائل في استخدام وسائل الاتصال الحديثة التي لعبت دورا مهما في الربيع العربي، وسوف تلعب دورا أهم في حشد الطاقات العربية تجاه موقف مضاد للصلف الإسرائيلي الذي لا يريد أن يتراجع قيد أنملة عن أرض احتلها بقوة السلاح الفظ.

المؤشرات التي تؤكد هذا التوجه منها ما تم بالفعل منذ أشهر بمهاجمة السفارة الإسرائيلية في القاهرة، والتي بعدها تم تبادل عدد من الأسرى المصريين، وتقديم اعتذار علني عن قتل جنود الحدود المصرية من قبل إسرائيل.

العنف يمكن أن يعود إلى الشرق الأوسط المضطرب مع كل ما يقال من اهتمام الجماهير العربية في الداخل، فالداخل والخارج الإقليمي مرتبطان. واليد الممدودة اليوم من السلطة الفلسطينية قد لا تكون موجودة غدا. ولكن السؤال المحير هو هل هذا النوع من التحليل قد وصل إلى الإدارات العالمية؟ في الظاهر الجواب بالنفي، بدليل الموقف من فلسطين في كل من الأمم المتحدة قبل أشهر، وفي اليونيسكو الأسبوع الماضي، واضح أن الدروس لم تستوعب بعد!

آخر الكلام:

في العيد تتلقى التهاني على وسائل الاتصال الحديثة، يعني انقطاع الحميمية حتى عن طريق سماع الصوت، الأنكى أن البعض يستخدم تقنية الطريق الواحد، بمعنى يرسل لك التهنئة وإن جاوبت تبين لك أن الجواب لا يصل، لأنه استخدم التهاني الجماعية، أليس في ذلك إهانة للمتلقي، أنا أبارك لك، ولكنك لا تتمكن من رد التحية. استخدام سلبي من جديد التقنية!