السعوديون.. والحج

TT

يمثل موسم الحج في كل عام تحديا كبيرا للدولة السعودية؛ حيث تسلط عليها الأضواء، خاصة من قبل خصومها، علَّها تفشل في تقديم الخدمات لحجاج بيت الله الحرام، أو تجابَه من قبل البعض باستغلال سياسي لهذا الموسم العظيم، يخرجه عن الهدف الأساسي الذي فرضه الله على عباده كركن من أركان الإسلام، وعبادة لا رفث فيها ولا فسوق. من شعارات وتصفية حسابات سياسية على حساب هذه الشعيرة الكبرى.

وقد أثبتت الدولة السعودية، عاما بعد عام، أن سياستها في منع استغلال الحج لأهداف أخرى غير ما فرض له هي الأصوب، خدمة لهذا الدين القويم، كما أثبتت أن الخدمات المقدمة للحجاج تفوق توقعات الحجاج أنفسهم بل وتلجم خصومها عاما بعد عام.

ويمثل حج هذا العام، 1432هـ، موسم حج استثنائيا بكل المقاييس على الرغم من التزايد الملحوظ في عدد الحجيج؛ حيث ضرب رقما قياسيا تجاوز العدد فيه 3.5 مليون، كما تجلت الخدمات التي قدمتها السعودية في الأمن والصحة ووسائل المواصلات الحديثة كقطار المشاعر والطرق السريعة التي تربط المشاعر ببعضها، إضافة إلى المشاريع الجديدة التي أسهمت في تسهيل أداء الحجيج لهذه الشعيرة، كتوسعة المسعى في الحرم المكي وتوسعة المسجد النبوي وتعدد أدوار رمي الجمرات في منى وغيرها من المشاريع الجبارة التي نفذتها الدولة السعودية خدمة لحجاج بيت الله الحرام من دون كلل أو منة بل احتسابا للأجر عند الله.

إلا أن الأهم في موضوع إدارة الدولة السعودية للحج التي لا بد من تسليط الضوء عليها ووضعها أمام الرأي العام المحلي والعالمي أنه في مثل هذه الحشود البشرية الهائلة مع اختلاف مشاربهم المذهبية والطائفية ومع اختلاف بيئاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعلى الرغم مما يقوم به البعض من محاولات حثيثة لاستغلال بعض هذه الجموع من خلال شعارات سياسية منظمة لشحن النفوس وتغييب العقول، قبل وأثناء الحج، لبث الفوضى وتعكير صفو الحجيج.

ينبغي ألا يكون التركيز - من قبل العالم أجمع والمسلمين على وجه الخصوص - متمحورا فقط على القدرة على إدارة هذه الجموع، ولا على توفير البنية التحتية العملاقة من خدمات أمنية وصحية متطورة وغيرها من الخدمات، وفرها السعوديون من دون مقابل وبلا منة. بل لا بد من التركيز أكثر على الجهد الأهم الذي بُذل، وهو القدرة السياسية أثناء وقبل هذا التجمع الإسلامي الكبير، من كسب لعقول وقلوب الحجيج وشعوب العالم الإسلامي، وتحقيق اللحمة الإسلامية في أيام الحج، والمحافظة على ديمومة هذه اللحمة أثناء الحج وبعده. وهنا تتجلى القدرة الفائقة للسعوديين في الإدارة السياسية للحج، بعيدا عن المزايدات والشعارات السياسية، التي تنطلق من أهداف غرضها غير المعلن هو ترسيخ الخلافات بين المسلمين، وإعطاؤها بعدا طائفيا، تحقيقا لمآرب سياسية أبعد ما تكون عن الإسلام وتعاليمه السمحة.

إن جدية الموقف السعودي تجاه عدم السماح باستغلال الحج لأهداف سياسية ليست وليدة اليوم، بل هذا هو نهج سارت عليه هذه الدولة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز - يرحمه الله - وهو النهج الإسلامي الصحيح الموافق للكتاب والسنة.

إن حكمة القيادة السعودية في إدارة الحج والأماكن المقدسة لأمر مقدر من العالم الإسلامي، بل والعالم أجمع، وهذا ما يؤكد حسن الإدارة السياسية للأماكن المقدسة، واستشعار تلك القيادة للدور القيادي والريادي الذي يتشرفون بالقيام به تجاه الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض، وبكافة طوائفهم ومذاهبهم، وتتجلى هذه الحكمة السياسية أيضا في القدرة على احتواء أخطاء وهفوات البعض والتسامي فوق الخلافات لصالح المصالح العليا للمسلمين، وهذا ما أسس له الملك عبد العزيز وسارت عليه المدرسة العقلانية للسياسة السعودية، منذ تأسيس هذه الدولة المباركة إلى وقتنا الحاضر.

لقد كان حج هذا العام 1432هـ، وبامتياز، حجا ناجحا بكل المقاييس. وهذا النجاح ليس فقط نجاحا للسعوديين وحدهم، بل هو نجاح للإسلام كدين لكل الأعراق والشعوب يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، دين بناء وتعمير، لا دين هدم وتدمير، دين نماء وتنوير لا دين تثوير وتفجير، كما يريد له البعض أن يكون!