الموقف التركي من المبادرة العربية

TT

اقترب أحدهم من نصر الدين خوجا (جحا تركيا) وقال له: لقد شاهدت رجلا يحمل صينية من الحلوى ويسير في زقاقكم. فقال الخوجا: وما دخلي أنا. ولما قال له: هذا الشخص كان يسأل عن عنوان منزلك.. رد بسرعة البرق: وما دخلك أنت!

أنقرة حذرة في التعامل مع الاتفاقية الموقعة بين دمشق والجامعة العربية وتتجنب الترحيب العلني بها وإعلانها عن تأييدها لأنها غير مقتنعة بأن القيادة السورية ستلتزم بتعهداتها المقدمة. حكومة أردوغان سبق أن عاشت المرحلة ذاتها قبل أشهر عندما قبلت قيادة الرئيس الأسد الإعلان عن خطة إصلاح وتغيير سياسي واجتماعي ودستوري، لكنها نسيت أن تسحب الجنود والأسلحة الثقيلة من المدن والشوارع.

أنقرة، التي حذرت النظام السوري من أن محاولة رفع معادلة تهديد استقرار سوريا يعني تفجير المنطقة برمتها، غاضبة لأن دمشق تسير باتجاه تحويل أزمتها إلى فرصة لتفجير العلاقات بين تركيا والعالم العربي أولا، والإطاحة بكل ما بنته حكومة «العدالة» من علاقات محسوبة بدقة مع النظام الإيراني.

أنقرة غاضبة أيضا لأن الكثير من مواد الاتفاقية التي تعهدت دمشق بتوقيعها في القاهرة هي ذاتها التي حملها وزير خارجيتها إلى دمشق وحاول إقناع القيادة السورية بقبولها فرفضتها، وها هي تلتزم الآن بتنفيذ ما ردته قبل أشهر، لتوفر على سوريا والسوريين كل هذه الخسائر في الأرواح والممتلكات.

أنقرة لا تريد أن تكون نذير شؤم حيال المبادرة العربية، لكنها - رغم الكثير من الانتقادات والاتهامات الموجهة إليها بسبب سياستها السورية - لا تريد أن تكون كذلك في موقف الرجل الذي دخل اللص منزله ليلا فلامه الجميع، مرة لأنه ترك النافذة مفتوحة وأخرى لأنه غط في سبات عميق أو لأنه لم يحصن حائط الحديقة، ولم يحمل أي منهم اللص مسؤولية فعلته هذه.

هي تعرف أن البعض، ليس داخل سوريا فقط بل داخل بعض الدول العربية والإسلامية وحتى في تركيا نفسها، يريد لها أن تفشل في سياستها السورية، متجاهلا أسباب الأزمة ومن يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى.. لذلك، هي لا تتردد في الاحتفاظ بحق التذكير بالسيناريو الأسوأ؛ وهو فشل المبادرة العربية نتيجة التذبذب في الموقف السوري، لتعود المناقصة وترسو عليها في طرح البدائل وتحمل المسؤولية الأولى كونها الجار المعرض لدفع الثمن الأكبر أمام توسع رقعة الانفجار في سوريا. المواقف التصعيدية الأخيرة لأردوغان من بون وتمسك داود أوغلو على هامش القمة الآسيوية في إسطنبول بانتقاد النظام السوري، لا تعكس فقط حقيقة صعوبة عودة المياه إلى مجاريها في مسار العلاقات التركية – السورية؛ بل إن تركيا جاهزة لدفع الثمن بسبب وقوفها العلني إلى جانب المعارضة وفتح الأبواب على وسعها أمامها ودون تردد.

أنقرة بعد هذه الساعة متمسكة بالتمييز بين إنقاذ النظام وبين إنقاذ الشعب السوري، وهي ورقة تحاول القيادة السورية دمجها ولعبها باحتراف والتمسك بها حتى النهاية. من هنا، فحكومة «العدالة والتنمية» تتمسك بحق الرد والتصعيد في كل لحظة تشعر معها أن قبول القيادة السورية مساء بالمبادرة العربية التي رفضتها في الصباح مجرد محاولة لإطالة عمر الأزمة ومنح النظام المزيد من الفرص لسحق المعارضة. أردوغان الذي يتهمه البعض بالتلويح والاستقواء بالسيف الأميركي في الموضوع السوري، قالها مرة أخرى ولكن من ألمانيا هذه المرة: لا يمكننا أن نقبل إطلاقا ما يجري داخل سوريا وتحويل الأزمة إلى اقتتال مذهبي حتى ولو كانت العقوبات التي سنلتزم بها هي الخيار البديل لوقف إراقة الدماء.