سقوط بغداد

TT

باشر الألمان قبيل الحرب العظمى ببناء سكة حديد برلين - بغداد للوصول إلى الهند. بيد أن الإنجليز مزقوا خطتهم بغزو العراق. وعندما انتهت الحرب وقع الخط بيدهم فتولوا بناء هذه الشبكة الواسعة من السكك الحديدية. تولوا إدارتها على شتى المستويات. ولكنهم في أواخر الثلاثينات استجابوا للمطالب الوطنية بتعريق المؤسس. بعثوا بعدد من الخريجين للتدريب على إدارة السكك. كان منهم أخي موفق. بعد سنوات قليلة تسلم العراقيون العمل من الإنجليز وعلى رأسهم المستر سميث.

روى لي أخي موفق هذه الحكاية فقال، إن أسلوب العمل كان يقتضي أن يقوم مدير كل محطة في نهاية الشهر بوضع مدخولات المحطة مع قائمة الحساب في كيس يوضع في صندوق. وعندما يصل القطار إلى بغداد تتسلم الحسابات هذه الصناديق وتحسب الفلوس وتطابقها مع قوائم الحساب. وكانت العملية تعتمد على الثقة ونزاهة الموظفين. ولكن لم تحدث أي مشكلة طوال تولي الإنجليز إدارة السكك.

روى لي أخي فقال، إنه في الشهر الذي تسلم فيه العراقيون إدارة السكك الحديدية ظهر النقص في الحسابات وتوالت المشكلة وعمت.

ظلت الحكاية تشغل بالي وتحيرني. لماذا يحترم المواطن النظام ويتمسك بالنزاهة عندما يكون على رأسه مدير لابس برنيطة، ولا يحترم ذلك عندما يكون المدير لابسا عقالا أو سدارة أو طربوشا؟ وأكثر من ذلك عندما لا يكون على رأسه أي شيء، كأكثر هؤلاء الحرامية الذين تسلموا المناصب والوظائف في العراق منذ سقوط بغداد؟

إي نعم! سقوط بغداد. هذه كلمة تدخل في قلوب العراقيين من دون استئذان - يا ما سقطت - ظلوا لقرون يشيرون لسقوط بغداد ويقصدون به سقوطها بيد هولاكو. وعندما احتلها الفرس في القرن التاسع عشر أخذوا يعنون به سقوطها بيد العجم. وأخيرا عمدوا إلى تاريخ كل شيء بربطه بسقوطها بيد الإنجليز. فعندما تسمعهم مثلا يشيرون لرجل بأنه ابن السقوط فلا يعنون بأنه رجل ساقط الخلق أو مدمن على السقوط في المدرسة. المقصود أنه ولد في عام سقوط بغداد بيد الإنجليز. ولكن المعنى تغير الآن. يعني البعض بعام السقوط، سقوط بغداد بيد المعدان. وآخرون يعنون به سقوطها بيد العجم وسقوطها بيد الحرامية. ولكن الأغلبية تعني به سقوطها بيد الأميركان. ولكنه في كل الأحوال استعمال يثير الشجون. فالأمم تشير إلى يوم النصر ويوم التحرير ويوم التتويج، ونحن لا نملك غير أيام السقوط.