التغيير في الاستمرارية

TT

هناك نوعان من التغيير في حياة الأمم: التغيير ضمن الاستمرارية، والتغيير ضد الاستمرارية. الأول، آيته الرضا المتبادل بين المسؤول والناس، وعلامته الثقة بين الفريقين. الثاني، علامته لا هذا ولا ذاك. لا يؤمن الاستمرارية سوى العمل، ولا يتحقق الرضا إلا بالثقة. وهذه ليست فلسفة ولا اختراعا، بل هي القاعدة البسيطة التي قامت عليها الأحكام وحياة الأمم.

وسط الارتجاجات التي أحدثت التغييرات العربية الأخيرة تمت في حزن عميم، وفي رضا شامل، عملية التغيير الكبير في الرياض. لم تنقل المسؤوليات من شقيق إلى آخر بل من سيرة إلى أخرى. وليس من سياسة إلى أخرى بل من أسلوب إلى أسلوب، في مدرسة واحدة، تتطور في ظل قواعد أخلاقية لا تتغير.

يبعث مجيء الأمير نايف بن عبد العزيز إلى ولاية العهد، والأمير سلمان بن عبد العزيز إلى وزارة الدفاع، شعورا باستمرار الطمأنينة لدى الناس، وشعورا بامتداد الاستقرار، في محافل الأمم. وإذا كانت صورة الأمير نايف، في الداخل وفي العالم، صورة صلابة الأمن الوطني وأولوية الأمن القومي، فإن صورة الأمير سلمان هي نموذج المهابة والمحبة.

ثمة إنذارات كبرى لا ترى بالعين المجردة كل يوم، كمثل بسط الأمن، وثمة إنجازات يمكن أن ترى بسبب طبيعتها، كأن تشرف على تحويل عاصمة صغيرة إلى مدينة في عدد سكان لبنان. ومع ذلك تبدو الرياض اليوم، بكل طرقاتها السريعة، مدينة شديدة الازدحام في حاجة إلى التوسعة. على أن إنجاز الأمير سلمان الأهم لم يكن بناء الرياض الكبرى، بل كان العلاقة التي بناها مع أهل الإمارة. علاقة الرجل الذي يرونه كل صباح يسبق جميع الموظفين إلى مكتبه، ويخرج من بعدهم.

ذلك دأبه طوال نصف قرن، ارتبطت فيها الرياض باسمه وصورته. وتنقل معرض «الرياض بين الأمس واليوم» في عواصم العرب والعالم، يقدم صورا مبهرة لما تستطيع النوايا الحسنة أن تحققه. لم يكتف الأمير سلمان بالبنى الهيكلية. يعرفه أهل الرياض عندما يعودهم في المستشفيات، أو عندما يتصل مشجعا في أمر أو متفقدا في آخر أو مباركا أو مهنئا.

في تدشين مبنى صحيفة «الرياض» قبل نحو ربع قرن، وقف خطابه على أهمية الطبقة المتوسطة ودورها في تاريخ الأمم. وفي مناسبة أخرى شرح علاقة ودور المملكة بالعمل القومي العربي. وفي جولاته الدولية الرسمية، حمل قضايا العرب وليس العلاقات الثنائية وحدها.

عرفت المملكة منذ 1963 دولة لم تخرج من حدودها إلى أي مكان، لكنها تعرف كيف تدافع عنها. مهمة متجددة لسياسة دائمة.