تغيرات المناخ وإدارة المياه

TT

كانت التغيرات في المناخ سببا في ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ما نسبته 60 درجة مئوية خلال القرن العشرين (الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ 2001)، والتوقعات تفيد بأن هذه الزيادة سوف تتجاوز حدود1.4 إلى 5.8 درجة مئوية عام 2100 معتمدةً بذلك على مستوى الاحتراق الذي ينجم عن الوقود المستخرج من الأرض, وأكثر هذه الزيادة في الارتفاع سيكون بسبب زيادة كتل الغازات المركّزة التي تنطلق من البيوت الزجاجية (الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ 2007). بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة ما بين 1 إلى 2.5 درجة مئوية خلال عام 2030. فمن المتوقّع أنّ مليارات البشر وخاصّةً في الدول النامية سيواجهون التغيرات في نزول مياه الأمطار ونقص حاد في المياه والجفاف والفيضان. ستؤثر هذه الأحداث في زيادة إفساد الأرض وفقدان الحياة عليها. وستؤثر تغيرات المناخ أيضا على فصول النمو وإنتاج المحاصيل النباتية والثروة الحيوانية وأمن الطاقة.

وبذلك تكون هذه التغيرات في المناخ ذات تأثيرٍ مباشر على المجتمعات غير الحصينة ولكن هذا التأثير سواء كان موجودا أم غير موجود فلا تزال هناك تحديات أكثر قسوة ذات صلة بالأمن الغذائي والصحّة والفقر.

إنّ تغيرات المناخ الحساسة هي بمثابة قضايا بيئية هامّة وتشكّل تهديدات جدّية للشعوب الفقيرة وغير الحصينة على امتداد العالم وتجلب المخاطر الكبيرة مثل نقص الطعام وانعدام الأمن والأمراض جاعلةً السكان في مخاطر واسعة من حيث الصحّة وسبل العيش وبهذه الحالة تكون المجاعة في العالم قد ارتفعت لتشمل أكثر بكثير من مليار إنسان.

ومن الضروري أنْ يكون تغير المناخ دافعا آخر لإدارة الأرض والبيئة وتقديم الطرق للوصول إلى القوانين ذات الصلة بنصوص (اتفاقية مكافحة التصحّر وإحصاءاتها... إلخ) وتعزيز سبل الحياة وإدامة الإنتاج لمواجهة الجوع. أمّا بخصوص منطقتنا والشرق الأدنى الذي يتكوّن من 32 بلدا في وسط وغرب آسيا وشمال أفريقيا، ويبلغ عدد سكان هذه المنطقة (حسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية/ فاو نُشِرَ عام 2005) فإنّ أكثر من 720 مليون شخص موزعين بشكل متفاوت بين بلدٍ وآخر كما هو الحال بين بعض الأقطار التي يبلغ عدد نفوس أحدها نحو نصف مليون نسمة بينما يبلغ عدد نفوس دول أخرى أكثر من 170 مليون نسمة.

وتعتبر منطقة الشرق الأدنى أكثر مناطق العالم نقصا في المياه، ففي تقرير آخر لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو) نُشِرَ عام 2007 ذكر أنّ مستوى المياه للشخص الواحد عام 2005 بلغ 1.700 م3 مقارنة مع النسبة العالمية لحاجة الفرد من المياه وهي نحو 8.500 م3. أمّا في منطقتنا فكميات المياه للفرد قليلة وتتراوح بين 8م3 إلى ما يقارب 7000م3 للفرد الواحد في بعض الحالات. ويؤدي النقص في المياه المتوفرة إلى العجز الزراعي الذي يعرف بانخفاض وفرة التربة الرطبة تحت المستوى المطلوب للمحصول خلال كل مرحلة نمو مختلفة مؤدية إلى نتيجة إنماء ضعيفة في المحاصيل الزراعية. تبدأ نتائج الجفاف الهيدرولوجي حين تبدأ النواقص في الترسّبات بخفض مصادر المياه الموجودة فوق الأرض والمياه الجوفية أيضا. ويحدث هذا حين يكون هناك نقصٌ في مصادر المياه وخاصة الأمطار في ظروف اعتيادية أو في حالة نضوب المياه الجوفية.

وتكون تأثيرات المناخ على المستويين الاقتصادي والاجتماعي مباشرا على النشاطات الإنسانية في مجالاتها المختلفة بفعل انخفاض معدلات هطول الأمطار والثلوج وما يتصل بها من وفرة المياه. وهذا واضح في المستوى المدروس للظروف المحيطة وخلال مرحلة زمنية واسعة.

أمّا بخصوص العراق فإن أحداث الجفاف – مثلا - بين عامي 1999 - 2000 وطبقا لما جاء في تقييم الأمم المتحدة كانت هي الأسوأ خلال الخمسين عاما الأخيرة (منظمة الأغذية والزراعة الدولية/ فاو 2004) فسهْل الموصل والذي يسمى بـ(سلة خبز العراق) والذي يجهز ما يعادل 70 في المائة من حبوب العراق لم يحصل سوى على نسبة 20 في المائة من مياه الأمطار خلال هذه المرحلة وكذلك الحال بالنسبة إلى نهري دجلة والفرات فقد انخفضت نسبة المياه فيهما إلى نسبة 20 في المائة من المستوى المطلوب. وقد أدى هذا النقص في المياه إلى خفض نسبة الإنتاج الزراعي وخاصة القمح والشعير والأرز إلى 75 في المائة (مقارنةً مع السنوات السابقة).

كما أثّرت قلة الأمطار والثلوج إضافة إلى سياسات بعض دول الجوار السلبية تجاه العراق في السنوات الأخيرة إلى انخفاض كمية المياه في نهري دجلة والفرات وتدهور نوعيتها في النهرين وكذلك في شط العرب والأهوار والأنهر والروافد الأخرى كما في منطقة خانقين وأماكن أخرى مما أدّى إلى نتائج كارثية على صعيد الإنتاج الزراعي والحيواني والحالة المعيشية.

التأثيرات المحتملة لتغير المناخ على الجفاف في الشرق الأدنى: لقد أدى الجفاف الواسع نتيجة التغيرات المناخية في الشرق الأدنى بداية القرن الحادي والعشرين إلى آثارٍ مباشرةٍ على المواطنين وخاصّةً في حياتهم المعيشية والبيئية.

تذكر التقارير العلمية أنّ عام 2100 سيكون معدّل الكلفة 2.5 في المائة في المناطق المتأثرة بالتغير المناخي العالي كبعض الأجزاء من الشرق الأدنى وخاصّة الشرق الأوسط، بينما يكون معدّل الكلفة على أفريقيا والشرق الأوسط ما نسبته 3.5 في المائة متأثّرةً بالتغير المناخي.

ومن أجل درء خطر التغيرات المناخية والحد من خطورتها وآثارها السلبية على المنطقة بصورة خاصّة وأحوال القاطنين فيها من السكان، يجب القيام بسلسلة من الإجراءات الأساسية التي تساعد على الحد من نتائجها، وأهمها:

- الانتقال من التعامل مع الجفاف كحالة طارئة إلى خطة عمل طويلة الأمد والقيام بأعمال دائمة لتخفيف التأثيرات المضادة لهذه الظاهرة. ففي بعض البلدان المحدّدة يتوجب العمل على تبني عمل إداري وفني جاد في تطوير استراتيجيات وطنية لتسكين وتخفيف العجز ويأتي ذلك من خلال وضع برنامج عمل بيئي عالمي متطور كمواجهة أحداث المناخ العنيفة كالفيضانات والجفاف مثلا وتمكين المجتمعات من أجل التقليل من المخاطر التي ترافق هذه الأحداث.

- المساعدة أيضا في إقامة المشاريع التي تخص التغيرات المناخية والبيئية وتقوية الحكومات وجهود الجاهزية بمساعدة المنظمات العالمية والأمم المتحدة وبرنامج البيئة والتربية التابعين لها والمراكز العربية لدراسات الأراضي الجافة.

- تقوم منظمات مثل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والبنك الدولي والصناديق العربية زائد الاتحاد الأوربي بدعم برامج معالجات وتخفيف تأثير الجفاف خاصة بالنشاط الوطني للدول التي تعاني منه وذلك من خلال تجهيز المساعدات الغذائية لها وتساعد أيضا في تزويد هذه البلدان بالخبرة والدراسات الخاصة بتأهيل المشاريع وإدارتها إضافة إلى بعثات الخبراء ومجالات أخرى لتبادل المعلومات وتطوير الكفاءات لتطوير برامج التعاون المشتركة والنشاطات المفصلية والتي تؤدي إلى انسجام الخطط المرسومة في مواجهة الجفاف وتخفيفه بين الدول المتجاورة.

- إقامة الخطوط الدالّة لإسناد الدول في الاستعداد لبرامج عمل وطنية لتطوير فرص دعم مالي جديدة وتجهيز الخدمات التدريبية للكوادر الوطنية من أجل بناء القدرات الجاهزية لمواجهة الجفاف والأزمات المناخية.

- تجهيز وتدريب القدرات الوطنية على شبكة (Network) والمكننة فيما يخص الجفاف والتصحّر والتغيرات المناخية.

- تأسيس نظام إنذار مبكّر للفيضانات والكوارث المحتملة والجفاف والتصحّر، مثل العناصر الأساسية لخطط تخفيف آثار الجفاف والجاهزية لمواجهة هذه الأحداث.

- لفْت الانتباه إلى أحجام المخاطر الناجمة عن هذه الأحداث في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وذلك من خلال هيكلة خطط الاستعداد.

- شمول جميع قطاعات المجتمع بما فيها (المنظمات غير الحكومية والمرأة والشباب) لإقامة حملات توعية وتثقيف للوقوف بوجه الأزمات الناجمة عن التغير المناخي مع التعريف بدور كل قطاع من المجتمع.

- توفير التسهيلات من أجل السماح بإيجاد قدرة ميكانيكية وفنية بإمكانها التعامل مع الحدث في المقاطعة أو الإقليم أو على المستويات الوطنية. وسوف يشمل هذا الإسناد في أعلى درجاته والاهتمام بالوقت في تحديد مقاييس تخفيف تأثير الجفاف الحاصل.

- تقديم الدعم لنقل التكنولوجيا والبحث ذي الصلة بنشاطات تخفيف الجفاف وتأثيراته المناخية فيما يتعلق مثلا بالتربية الحيوانية والأمراض والتكنولوجيا الحياتية، وبناء القدرات، وتطوير المصادر البشرية.

السيطرة على المياه عبر الحدود: أكثر ما يعقد الأمور هو أنّ أكثر سكان الأرض يعيشون في جزء يقدّر عدد الأنهار فيه بأكثر من 300 نهر تشترك فيه دولتان أو أكثر وتغطّي هذه الأحواض أكثر من 45 في المائة من سطح الأرض، ومن بين 145 دولة تضم في أراضيها أحواض الأنهر الدولية تقع نصف أراضي (92 دولة) منها على الأقل في أحواض الأنهار الدولية، وثلث هذا العدد أي خمسين دولة لها 80 في المائة من أراضيها داخل أحواض الأنهار الدولية. وبإعطاء الدول المسيطرة الحق لنفسها لتطوير مصادر المياه الواقعة في أراضيها - دون أن تعير أي احترام للحدود السياسية الدولية - للمطالبة بحصّة ضرورية وعادلة من المياه للمجتمعات والقطاعات والدول الأخرى فإنّ احتمالات نشوب الصراعات حول المياه ستزداد.

انطلاق المياه خارج الحدود: وإشارةً إلى ما ذكر سابقا بأنّ الخطر الأكبر يكمن في هيمنة الدول على مصادر المياه والتي عادةً ما تكون هي الأقوى سياسيا أو اقتصاديا وذات إمكانية أقوى من دول المصب. ومع ذلك نجد العديد من الدول تتصرّف بشكلٍ أحادي «مدعيةً المصلحة القومية» حين يكون العمل لديها عند خطة مصادر المياه وكيفية إدارة العمل فيها، فعلى أي شيء لا تتفق تلك الدول إذن؟

إن أكثر الدول تبالغ في الجدال حول كمية المياه ونموذج البنى التحتية في مكانٍ قد يؤثّر في كمية ووقت إطلاقات المياه.

وإنّ تعاون الدول حول نفس القضايا، مثل شكل الأحواض لتجنّب الأزمات والمكاسب المتبادلة وتبنّي بعض الجهات الفنية خطة إدارية حكيمة للأحواض بإمكانها ممارسة عمل تعاوني ومشاركة ذات فائدة كبيرة عبر عدد من المصالح المشتركة مثل:

- مشاركة منصفة وعادلة للأنهار خلال فترة الجفاف ووفرة المياه وفترة الزراعة مع مشاركة الخبرات في مواجهة الفيضان.

- التعاون في توليد الطاقة الهيدروليكية (محطات كهرباء).

- الإنذار المبكّر في حالتي الفيضان وفي مرحلة الجفاف.

- التعاون في نظام الملاحة.

- السيطرة على السيول والترسبات ومفقودات أخرى.

- إدارة تلوّث البيئة في مياه المنطقة وكذلك العابرة الحدود.

- التعاون في إدارة الموارد المائية وأعمال التدريبات النهرية.

- تطبيق نصائح وإرشادات عالمية وتطبيق قوانين إدارة الموارد المائية.

وفي حالة وجود الأزمات المناخية سيكون من الضروري أن يكون هناك تعاون مشترك موسّع في استخدام المياه السطحية وعلى جميع الأصعدة.

أمّا بخصوص الشراكة في المياه السطحية والأنهار فيمكن تحكيمها من خلال ثلاثة معايير:

1- الحصول عل اتفاقيات حكيمة ومحكمة وعادلة بخصوص الشراكة في المياه بين الدول المتشاطئة والمتجاورة ويجب أنْ تكون اتفاقيات فعّالة وملزمة لجميع الأطراف.

2-سوف تحسّن أو على الأقل لا تضر بالعلاقات بين الأطراف المعنية.

3-ستوفر المعلومات الكاملة عن الخطط المستقبلية للبنى التحتيّة المقامة على مصادر المياه إضافة إلى الاتفاق حول الخطط التشغيلية وكمية الإطلاقات لتلك المنشآت.