هل تولد الدولة الكردية؟

TT

هل نشهد ولادة دولة كردية في العراق؟ يبدو السؤال أشبه ما يكون بالصدمة للبعض، لكنه واقع سيحدث الآن أو في أقرب فرصة تتاح لأن يتم إعلان الدولة الكردية في العراق، وإعلان هذه الدولة يحتاج لعوامل تبدو بعضها متوفرة الآن، منها حالة الفوضى التي تعيشها بعض الأنظمة العربية ودول المنطقة التي انشغلت بأحداثها الداخلية ولم يعد الشأن العراقي يثير اهتمامها، العامل الثاني يتمثل في الأجواء الدولية التي تساعد على تكوين الدول القومية ذات النسيج الواحد، وترحيب المجتمع الدولي ودعمه.

العامل الثالث التقارب الكبير بين أكراد العراق وتركيا، وهذا التقارب مجسد في أرض الواقع عبر الكثير من الشركات التركية التي تستثمر الآن في كردستان العراق، إضافة لعوامل أخرى لها علاقة كبيرة في صناعة قواسم مشتركة بين أكراد العراق والأتراك، وهذه العوامل من شأنها أن تذيب الجليد المتراكم حول تحفظ الأتراك من نشوء وقيام دولة للأكراد، خاصة أن تركيا هي الأخرى لديها مشاكلها الداخلية، وبالتالي لا تمتلك القدرة الكافية لإجهاض مشروع الدولة الكردية في حال قيامه.

أيضا هنالك عوامل داخل العراق من شأنها أن تسرع في ولادة هذه الدولة، أولها التناحر السياسي بين الكتل والأحزاب العربية السنية منها والشيعية، ومحاولة كل منها الاستحواذ والانفراد بحكم العراق على حساب الطرف الآخر، والعامل الداخلي الثاني محاولة تحصين لإقليم كردستان العراقي من فتنة التغييرات التي قد تحدث ليس في العراق، بل في دول الجوار العراقي، وفي مقدمتها إيران وسوريا المرشحتان بقوة للتغيير في الأشهر القادمة، خاصة إيران التي أيضا لها علاقات تجارية واسعة مع الإقليم من جهة، ومن جهة ثانية رغبة الزعامات الكردية في أن تلعب دورا مهما في المنطقة، الجانب الثالث يتمثل في أن مصطلح إقليم وحكومة الإقليم ضمن الدولة الفيدرالية في العراق بات لا يمثل طموحات النخب السياسية في كردستان، خاصة في ظل محدودية الموارد المقدمة لهذا الإقليم من موازنة الدولة الاتحادية في العراق والذي لا تتجاوز نسبته 17% سنويا وهي نسبة تخضع لحسابات ربما تبدو غير مقنعة للقيادات الكردية التي تجد أنها كانت أهم ركيزة من ركائز التحالف الدولي الذي أسقط نظام صدام حسين ومهد الطريق للتعددية والحزبية في البلد، وبالتالي بعد سقوط هذا النظام وجد الأكراد أن ما كانوا يتمتعون به في ظل الحكم الذاتي الذي انفردوا به بعد انتفاضتهم عام 1991 هو أفضل مما هو موجود حاليا، لأنهم كانوا يتحصلون على 17% من واردات النفط بقرار أممي قبل 2003 مضافا إليه تعاطف المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية في دعم حكومة الإقليم وشعبه.

وحقيقة طرح مفهوم حق تقرير المصير من قبل مسعود بارزاني في مؤتمر حزبه الأخير، وعملية الطرح هذه ربما تمثل بالون اختبار للقوى السياسية العراقية غير الكردية الأخرى التي ربما وجد بعضها أن التناحر السياسي بين سنة العراق وشيعته قد يفسح المجال أمام الأكراد للاستحواذ على مزيد من المناصب والوزارات في الحكومة الاتحادية، ورغم هذا فقد لعب الأكراد دورا مهما في تشكيل الحكومة العراقية وأبدوا مرونة كبيرة في التنازل عن الكثير من الوزارات لصالح العرب مقابل احتفاظهم بمنصب رئيس الجمهورية الذي يشعر جميع العراقيين بأنه منصب مستحق لرجل مثل جلال الطالباني، ليس لأنه كردي، بل لأنه يضفي على هذا المنصب طابع العلمانية المفقودة في العراق، حيث إن أغلب أحزاب العراق الفائزة تمتلك النكهة الطائفية، وتتصرف على هذا الأساس، وبالتالي نجد أن الأكراد في الدولة العراقية الموجودة حاليا يجدون أنفسهم يتنازلون مرتين، مرة للعرب قوميا ومرة أخرى للشيعة والسنة. وبالتالي نجد أن طرح فكرة تقرير المصير رغم أنها دستورية فإن البعض تطير منها وحاول أن يجعل منها قضية وربما أكثر من هذا، خاصة إذا ما تعلق الأمر بكركوك الغنية بالنفط كما يقولون، ومطالبة الأكراد بكركوك يعدها البعض مناورة الغاية منها مقايضة تقرير المصير بكركوك وهذا أقرب للواقع، حيث إن ولادة دولة كردية بحدود محافظاتها الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك تمثل طموحا كبيرا للقادة الأكراد الذين يخطون بهدوء نحو هدفهم الأول وهو قيام الدولة الكردية، ويحاولون جهد الإمكان إقناع المجتمع الدولي والإقليمي للقبول بهذا، ويبدو الأمر فيه الكثير من الصعوبات، لكنه ليس بالمستحيل.

* كاتبة عراقية