شارلي إيبدو

TT

النقاش حول الإسلاموفوبيا في الغرب بدا مختلفا هذه المرة..

لقد أعاد نشر الصحيفة الفرنسية الهزلية «شارلي إيبدو» لرسوم كاريكاتيرية تسخر من المسلمين، الاهتمام بالإسلام وبالجاليات المسلمة في أوروبا، وبمسألة حساسية هذه الجاليات ضد نقد مقدساتها.

قبل أعوام وبعد حادثة الرسوم الدنماركية كان الانقسام حادا، إذ يصعب أن تجد في المجتمعات الغربية الديمقراطية من يجادل في حرية التعبير وفي كونها مطلقة مهما تمت السخرية من رموز ومقدسات. في المقلب الآخر تمترست مجموعات مستثارة تريد الذود عما تراه مسا لا يستقيم معه التهاون مهما كانت المبررات..

لكن اليوم وبعد نشر «شارلي إيبدو» لعددها الأخير المسمى بـ«شريعة إيبدو»، وبعد تعرض مكاتب الصحيفة للحرق من قبل مجهولين، لم تنقسم الجبهات بنفس الحدة التي كانت عليها قبل أعوام.. طبعا لن نجد ولا ينبغي أن نجد من يدافع عن حرق مكاتب صحيفة أو أي محاولة احتجاج عنفية، لكن الخط الفاصل بين رأيين لم يعد أمرا واقعا، على الأقل هذا ما أظهرته ردود الفعل المختلفة حول قضية الصحيفة الفرنسية.

ينحو منتقدو خطوة الصحيفة إلى كون مثل هذا الأمر يشكل استغلالا لحرية التعبير من خلال تركيز السخرية على المسلمين، ما يعزز الإسلاموفوبيا ويقوي تيارات اليمين المتشدد، خصوصا في فرنسا التي أصبح الإسلام فيها هوية ثقافية، ويسعى مسلموها إلى توفير ملاذ في مجتمع لا يشعرهم دوما بالقبول.

لكن إلى أين يمكن أن يصل هذا النقاش إذا تبين أن للصحيفة أهدافا أخرى لا تتعلق بحرية التعبير؟

ففي عام 2008، طردت الصحيفة رسام كاريكاتير سخر من نجل الرئيس نيكولا ساركوزي ومن ثروته وتحوله نحو اليهودية، حينها بررت الصحيفة طرد الرسام بأنه كسر الخط الفاصل بين الفكاهة وبين إثارة الكراهية.

فما الذي بدل هذا المنطق اليوم؟

من الصعب عدم التشكيك بمصداقية خطوة الصحيفة، خصوصا إذا نظرنا إلى حجم الاهتمام الذي نالته بعد تعرض مكاتبها للحرق، لقد نفدت أعداد الصحيفة وجرى طبع نسخ إضافية، وهذا أمر لم يحدث سابقا، بل إن الأوضاع المالية الصعبة أجبرت الصحيفة في مرحلة من المراحل في الثمانينات على تعليق طبعاتها.

هل أرادت الصحيفة رفع سقف حرية التعبير بتحديها هذا؟ الأرجح أن النتيجة أنها زادت من حدة الشرخ بين المسلمين والمجتمعات التي يحاولون الاندماج فيها، أما إذا كان هدف الصحيفة الحصول على الاهتمام والدعاية، فهي حصلت على ذلك فعلا.

من الواضح أن الصحيفة لعبت على معطى حساس بهدف إعادة الحياة لموقعها الهامشي، فعلت ذلك في زمن يعيد فيه الغرب النظر في مسألة الإسلاموفوبيا. الوقت الذي اختارته الصحيفة لفعلتها ليس الوقت النموذجي لطرح هذه المسألة. كان يمكن أن نفهم لو فعلت ذلك قبل عشر سنوات.. اليوم وبفعل الربيع العربي فإن المسألة بين المجتمعات الغربية والمسلمين لم تعد مسألة حريات، فقد أبدت المجتمعات العربية رغبة واضحة وجلية بهذه الحريات.

إذن نحن أمام توظيف لمعطى انقضى زمنه أو هو بصدد الانقضاء.

diana@ asharqalawsat.com