التهديد المتنامي لبرنامج إيران النووي

TT

عندما تمت مهاجمة أجهزة الكومبيوتر التي تتحكم في أجهزة الطرد المركزي بدودة «ستاكسنت» عام 2009، نسب هذا الفعل إلى الاستخبارات التي تسعى إلى عرقلة البرنامج النووي الإيراني، مع ذلك يظل الأمر الأهم من تدمير إيران هو تفتت إصرار الدول الغربية، حيث باتت الولايات المتحدة والدول الأخرى أكثر تساهلا مع التهديد الإيراني، وأثار ذلك الهجوم، فضلا عن الهجوم الذي تعرض له علماء الطاقة الذرية الإيرانيون، وتقارير بشأن نقص مواد خام رئيسية لازمة لأجهزة الطرد المركزي، إلى خطاب يزداد قبولا اليوم تلو الآخر، هذا الخطاب مفاده أن لدينا الوقت الكافي لاحتواء الطموحات الإيرانية النووية أكثر مما كان يُعتقد، مع ذلك هناك مشكلة واحدة في هذا الخطاب، ألا وهي أنه أبعد ما يكون عن الواقع. ومن المقرر أن تكشف الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال الأسبوع الحالي عن تفاصيل جديدة خاصة بمحاولات إيران تصنيع جهاز يعمل بالطاقة الذرية. إن هذا لأمر يثير القلق، لكن المقياس الحقيقي لمدى تقدم إيران في طريق امتلاك القدرة النووية هو معدل تخصيب اليورانيوم. بالنظر إلى هذا، يمكن القول إن إيران قد اقتربت من تصنيع سلاح نووي، وإن العمل في برنامج تخصيب اليورانيوم استمر بنفس الخطى الحثيثة ولا يزال مستمرا، فقد أشار آخر تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سبتمبر (أيلول) إلى وجود نحو 6 آلاف جهاز طرد مركزي في مفاعل ناتانز، وأن معدل عملها في تخصيب اليورانيوم بات أسرع من ذي قبل. وتشير بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى قدرة إيران خلال النصف الأول من عام 2011 على إنتاج نحو 105 كغم من اليورانيوم المخصب شهريا في المتوسط. على الجانب الآخر، انخفض هذا المعدل الشهري قليلا في شهر أغسطس (آب) وإن كان ضعف معدل الإنتاج قبل إصابة الكومبيوتر بالدودة عام 2009، حيث كان 56 كغم في الشهر، وكان إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة أعلى من معدل الإنتاج عام 2010 الذي بلغ 86 كغم شهريا. إن التوجه واضح تماما، لقد أنتجت إيران أكثر من 3 آلاف كغم من اليورانيوم منخفض التخصيب وتزداد الكمية كل يوم. بالطبع على طهران زيادة نسبة التخصيب للحصول على اليورانيوم عالي التخصيب الضروري لتصنيع قنبلة نووية، وتتطلب أسرع طريقة لإنتاجه 1850 كغم من اليورانيوم منخفض التخصيب من أجل إنتاج 20 كغم فقط من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المائة، اللازم لتصنيع القنبلة النووية. تجاوز مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب هذه الكمية بنحو مرة ونصف، مع ذلك يظل الأمر الأكثر إزعاجا هو مخاطرة إيران بالوصول إلى مستويات متقدمة في عملية تخصيب اليورانيوم.

بدأت إيران العام الماضي تحويل اليورانيوم الذي خصبته بالفعل بنسبة 3.5 في المائة إلى يورانيوم مخصب بنسبة 20 في المائة؛ من أجل توفير الوقود اللازم لتشغيل مفاعل لإنتاج المناظير، ويستخدم المفاعل سنويا نحو 7 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، ويشير التقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى امتلاكك إيران لنحو 50 كغم من هذا النوع.

يعني هذا أنه على مدى العام ونصف العام الماضي كان إنتاج إيران من هذا النوع من اليورانيوم كافيا لتشغيل المفاعل الطبي لمدة سبع سنوات مقبلة. مع ذلك، أعلنت إيران في يونيو (حزيران) عزمها على زيادة معدل إنتاج هذا النوع بمقدار ثلاثة أمثاله، وبدأت تنقل العمل إلى مفاعل قم السري الذي يقع تحت الأرض ونُحت داخل جبل.

ويقدم مركز سياسات الحزبين سلسلة من التقارير توضح مدى تقدم البرنامج النووي، وبحسب حساباتنا، تستطيع إيران تخصيب كمية من اليورانيوم عالي التخصيب تكفي لتصنيع سلاح نووي إذا ما رغبت في ذلك خلال 62 يوما باستخدام مخزونها الحالي من اليورانيوم. ويفحص المفتشون الدوليون المنشآت النووية الإيرانية فقط مرة كل شهرين، ويعني هذا إمكانية طهران امتلاك قدرة إنتاج يورانيوم عالي التخصيب يكفي لتصنيع قنبلة نووية قبل أن يدرك المجتمع الدولي ذلك.

سوف يتضاءل هذا الخط الزمني إذا ما استمرت إيران في المسار الحالي، ونظرا لأن زيادة نسبة التخصيب من 3.5 في المائة إلى 20 في المائة تتطلب أربعة أخماس المجهود اللازم لزيادة نسبة التخصيب من 3.5 في المائة إلى 90 في المائة، سوف يتراجع إنتاج طهران المستمر لليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة بشكل كبير عندما تحتاج لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب اللازم لتصنيع سلاح نووي. وبمجرد امتلاك إيران لما يزيد على 150 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، وهو ما يمكن أن يحدث في بداية عام 2013 إذا نفذت إيران ما تخطط له، سوف تحتاج فقط إلى 12 يوما لإنتاج مادة قابلة للانشطار تكفي لتصنيع القنبلة النووية.

لا ينفي أي من هذا نجاح الهجوم على أجهزة الكومبيوتر في منع إيران من تسريع خطى العمل في البرنامج النووي، فعلى سبيل المثال، ربما نجح هذا الهجوم في تعطيل نحو ألف جهاز طرد مركزي إيراني، وبحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مايو (أيار) عام 2009 قبيل الهجوم على أجهزة الكومبيوتر، كان عدد أجهزة الطرد المركزي في مفاعل ناتانز في إيران 4.920، وبحلول يناير (كانون الثاني) عام 2010، لم يكن به سوى 3.772. كذلك من الممكن أن تكون العقوبات قد نجحت في عرقلة قدرة إيران على شراء المواد اللازمة لأجهزة طرد جديدة، لكن هذه التطورات لا تبعث على الاطمئنان إذا كان إنتاج إيران من اليورانيوم المخصب مستمرا، كما توضح تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبالتالي لا يوجد أي أساس لاستنتاج أن التهديد الذي يمثله البرنامج الإيراني النووي قد تراجع، بل على العكس، إنه متنام إلى درجة تبعث على القلق.

*ستيفن ريدميكر من «بوديستا غروب» ومستشار في مركز سياسات الحزبين، وبليز ميزستال مساعد مدير السياسة الخارجية في مركز سياسات الحزبين

*خدمة «واشنطن بوست»