أنا بكره إسرائيل وبكره نبيل العربي

TT

يعلم المواطن العربي أن جامعة الدول العربية لا رجاء منها ولا أمل، ولا أكون مبالغا في القول حينما أقول إنها من أقل المؤسسات العامة مكانة في عقل المواطن العربي، من ناحية الثقة والاعتمادية والفعالية، ولكنها «موجودة» و«لا يوجد غيرها». الناس تعودت ألا ترجو وتأمل من جامعة الدول العربية سوى «فشة خلق» لتهدئة النفوس، أو كما يقول المصريون «بُقّين» كلام لزوم الشغل. واليوم هناك أمين جديد هو نبيل العربي، أول وزير خارجية لمصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني), جاء من رحم ثورة كبيرة وبدأ نشاطه بحماس ونشاط واضحين، واتجه نحو موضوع غزة بعقل، وفتح المعبر، وبدأ في خطاب «قوي» بحق إسرائيل والقضية الفلسطينية، وهو خطاب مغاير لما كان عليه آخر وزراء خارجية عهد مبارك، وبدأ بالانفتاح باتجاه قضايا العالم العربي، ثم «فجأة» بعد أن أحب الناس نبيل العربي، رشحته مصر كحل لأزمة الأمين العام الذي كانت معركة اختياره قد انفتحت على مصراعيها بين مصر وبين قطر، فحسم الأمر المرشح «المفاجأة» نبيل العربي، وجاءت الثورات العربية المتتالية لتختبر قدرات الرجل على التعامل بنفس الروح التي أتت به لهذا المنصب المهم، روح الثورة ومطالب الشعوب، واليوم يسقط نبيل العربي سقوطا فاحشا في التعاطي مع الثورة السورية، كان واجهة الجامعة العربية في تواصلها مع النظام السوري الذي قتل الآلاف من شعبه، واعتقل عشرات الآلاف منهم بلا رحمة ولا هوادة، وكان يقول بعد اجتماعاته إن سوريا ماضية في طريق الإصلاح، حتى تحول هذا التصريح إلى نكتة سوداء وشعار يرفع في مظاهرات الثورة استهزاء به.

نبيل العربي لم يطلب أن يزور، على أرض الواقع، المناطق المدمرة والمنكوبة في حمص وحماه ودرعا وإدلب والرستن وغيرها، كما فعل سفراء أميركا وفرنسا وتركيا.

نبيل العربي يقابل معارضة سورية «مفصلة» من النظام بنفسه، ولا يقبلها الشعب السوري نفسه.

نبيل العربي لم يفعل، عربيا، الكثير من المسائل التي كان لها سابقة في التعامل مع مصر أيام طردها من جامعة الدول العربية بعد اتفاق السلام مع إسرائيل، ولا مع ليبيا مؤخرا في ثورة شعبها ضد القذافي.

كان من الممكن تقديم الكثير من الاقتراحات الخاصة بتعليق عضويات نظام يقتل شعبه ويسحق مدنه في منظمات ومؤسسات تابعة للجامعة كخطوة أولى، وحظر المحطات الفضائية السورية لما تنقله وتبثه من مواد إعلانية مضللة بحق الثوار، خالقة مناخا طائفيا مدمرا داخل سوريا (وهي المسألة التي حصلت بحق المحطات الفضائية الليبية). وكان على نبيل العربي أن يكون صادقا مع نفسه ومع العالم، وكشهادة ضمير وحق أمام الله لرجل بلغ من الكبر عتيا وخدم طويلا في الشأن العام، ولا يستخدم كلمات تسيء بحقه وتاريخه وسمعته حين يقول إنه «قلق» و«ممتعض»، أو إن سوريا «لا تطبق» المبادرة، بدلا من قول الحقيقة كاملة، فالدم المسال وأرواح الأبرياء لا تحتمل المجاملة ولا تنميق الكلمات. يا معالي الأمين كما سبق القول «هما بقين المطلوبين»، فلا تبخل بهم على الأبرياء، فاليوم تحولت جامعة الدول العربية على عهدك إلى قامعة الدول العربية، وهذا إرث ستتحمل الكثير أنت منه، وإذا لم تستطع مواجهة الموقف بما يرضي ضميرك فالاستقالة خيار الكبار دوما، ولكن المشاركة بالسكوت عن الجريمة هو نوع من الاشتراك فيها.

يوما ما تغنى مطرب «الجامعة»، شعبان عبد الرحيم، حين قال ذات يوم متغنيا بقفشات عمرو موسى السياسية، وقال: «أنا بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى»، وطبعا كانت هذه الأغنية التي أوجدت لعمرو موسى إرثا شعبيا كبيرا بين الناس، ولكن قضت عليه سياسيا مع الرئيس الغيور جدا حسني مبارك, أخشى اليوم يا معالي الأمين أن شعبان عبد الرحيم قد يجهز لحنا جميلا لأغنية مطلعها: «أنا بكره إسرائيل وبكره نبيل العربي».

[email protected]